أتذكر كيف أمضينا ثلاث ليال باردة في منتصف شهر فبراير/ شباط، دون فرش أو أغطية عاد الحوثيون الأسبوع المنصرم لتعذيب الزملاء الصحفيين بصورة وحشية، وهو ما أعاد لي صوراً من مشاهد التعذيب الذي تعرضت له ومن معي من المختطفين في السجن السري للحوثيين طوال أشهر من العام 2016.
أحاول نسيان ما حدث رغم قساوته، لكن كيف يمكن أن أنسى الجلادين الحوثيين الذين انهالوا عليّ بكابلات الكهرباء على الظهر، وبين كل جولة وأخرى يسكبون كميات من الماء شديد البرودة على رأسي للامعان في التعذيب، ثم معاودة الجلد حتى تلونت الملابس بلون الدم.
أتذكر كيف أمضينا ثلاث ليال باردة في منتصف شهر فبراير/ شباط، دون فرش أو أغطية، وكيف تيبسنا من البرد، يرافقنا الجوع والخوف والكثير من الشتائم والقليل من النصائح الحمقى.
وكيف أن رفاق الاختطاف تعرضوا لتعذيب دامٍ أفقدهم القدرة على الحركة، وصورة “وسيم العامري” الشاب القادم من تعز على باص لنقل الركاب، وهو لا يستطيع رفع يده إلى فمه لتناول الطعام، بعد ليلة وحشية تفنن فيها الجلادون في تعذيبه حتى أُرت الحبال على جانبي فمه.
وأتذكر كيف حاول الشاب “معين دعيس” الانتحار ببقايا شفرة حلاقة لقطع أوردته لولا أننا تداركناه قبل أن يكمل العملية، وسالت دماؤه، وحين سألناه لماذا أقدم على هذا الفعل، قال: إن الموت صار هو الخيار الوحيد له بعد أن هددوه بالاغتصاب وبكلمات نابية، وقد علقوه من يديه وكادوا يصبون عليه الزيت المغلي.
قلت لأحدهم وهو يمعن في تعذيبي ويتفاخر بما يقوم به: أليس لديكم إنسانية؟ فقال لي: نحن أولاد شوارع لقطاء لا نعرف الإنسانية ولا معناها، نحن هنا للتعذيب فقط، وراح يشغل آلة الصعق الكهربائي ويمررها على جسدي من الرأس إلى الرجل، وأنا مربوط من يدي إلى السقف، وتكاد يديّ أن تنخلع من الكتفين، وهو يكيل الشتائم والاتهامات المتناقضة حد الغباء.
أتذكر الشيخ المسن “أحمد الحشار”، والذي تجاوز عمره 65 عاماً كيف أنهم لم يرحموه ولم يحترموا شيبته، فأنزلوا عليه ألوان التعذيب الجسدي، ثم راحوا يمارسون التعذيب النفسي بحقه بتهديده حتى في أولاده، وهو الأمر الذي تكرر مع الكثير من رفاق المعتقل السري.
و”ح.م” المريض بالقلب حيث ما تزال آثار الشق في صدرة ظاهرة للعيان إثر عملية قسطرة، ورغم نوبات الصرع التي كان يتعرض لها، فإنهم مارسوا بحقه أسوأ أنواع التعذيب وأقساها، ومثله الشاب أشرف حفيظ الأسير الذي حولوه إلى معتقل سياسي وأخفوه لما يقارب العام، وبسبب التعذيب وانعدام الأدوية والمياه النقية للشرب أصيب بمرض في وظائف الكلى وما يزال إلى يومنا هذا يتلقى العلاج خارج اليمن، بعد أن تم اطلاق سراحه بعد ما يزيد عن ثلاثة أعوام من التنقل بين أكثر من 8 سجون أغلبها سرية.
أما الطفل ياسين لبوزة فهو حكاية أخرى.. طفل لم يتجاوز الخامسة عشر ربيعاً، أخذوه من باص النقل الجماعي القادم من لحج، حين كان ذاهباً لزيارة والدته في صنعاء، ورموه بين عشرات المختطفين لعدة أيام، دون أي تهمة إلا أنه لبوزة وقادم من لحج، ويحمل علب الحلوى هدية لأمه التي هي من أبناء صنعاء، ويعد أيام من الرعب والتحقيق وضغط عائلته التي ينتمي إليها القيادي في الانقلاب قاسم لبوزة تم اطلاقه.
لقد بات الأمر لدينا على هذا النحو: من يأخذونه للتحقيق والتعذيب، فإنه يعود فاقد القدرة على الحركة وعلى رفاقه أن يقفوا بجانبه حتى يعود إليه بعض القدرة على تحريك نفسه والذهاب إلى دورة المياه.
أتذكر كل ذلك وقلبي يتفطر ألماً على زملائي الذين ما يزالون تحت سياط الجلادين الحوثيين، وتعرضوا قبل أيام للمزيد من التعذيب الهمجي، دون أن نرى أي تحرك لمنظمات يفترض أنها تعمل في الجانب الحقوقي والإنساني، وكيف أصابها العمى أمام ما يتعرض له عشرات الصحفيين في اليمن من جرائم وانتهاكات من قبل مليشيات تمارس إرهاباً واضحاً.
–يتبع
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.