الجنوب العربي، هو مخطط استعماري لسلخ عدن والمحميات من هويتها اليمنية لجعلها مجرد وحدة جوار وإمارات متناثرة مسلوبة الهوية والتاريخ، في مواجهة المد القومي العربي، رفضته حضرموت والمهرة، وقاومته عدن، إنه انتصار ضد المخططات الاستعمارية، انتصار عدن والجنوب لهويتهما اليمنية.
30 نوفمبر 1967م هو تتويج لنضالات شعب وامة تواقة للحرية والاستقلال، مرحلة كفاح مسلح لفدائي الثورة اليمنية بكل اطيافهم وأعراقهم وجذورهم، أبرزهما جبهة التحرير والقومية والرابطة.
وبدعم سياسي وفكري من أحزاب ونقابات وجمعيات ومنتديات كانت عدن مصدرها وتعز وإب وقعطبة الخلفية الداعمة لها، بدلالات المناضلين وشهود الأعيان، احتضان الشمال لرجالات الثورة في الجنوب وتسليحهم، ابتدأ من لبوزة ومروراً بسالمين وعلي عنتر، وعبدألله باذيب، هذا الجمع والروح الوطنية الواحدة هي التي صنعت الفرحة في أرجاء الوطن وعدن برحيل آخر جندي بريطاني عن أراضي جنوب اليمن المحتل، وتوحيد 22 سلطنة ومشيخة في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
الجنوب العربي، هو مخطط استعماري لسلخ عدن والمحميات من هويتها اليمنية لجعلها مجرد وحدة جوار وإمارات متناثرة مسلوبة الهوية والتاريخ، في مواجهة المد القومي العربي، رفضته حضرموت والمهرة، وقاومته عدن، إنه انتصار ضد المخططات الاستعمارية، انتصار عدن والجنوب لهويتهما اليمنية.
“30 نوفمبر” انتصار لثورتي سبتمبر واكتوبر العظيمتين، فيه عمت الفرحة اليمن بشطريه، تحلت فيه عدن ثوبها القشيب كعروس، بأنوارها الزاهية في ساحاتها وجبالها وشواطئها، احتفاليات أضاءت جبل شمسان حتى الفجر أشهر لم تعرف عدن الظلام، بقناديل وأعلام الجبهة القومية بألوانه الثلاث الأحمر والأبيض والأسود، وأهازيج وأناشيد الثورة، ومحمد محسن عطروش “برع يا استعمار برع.. من أرض الأحرار برع .. برع ولى الليل ليضويك التيار”.
هذه الصورة الرائعة لنوفمبر العظيم، في خاصرتها صورة مؤلمة دموية لصراع رفاق الفداء والعمليات العسكرية، فتنة الحرب الأهلية التي دارت رحاها في عدن لتصفية الخصوم، واستلام الجبهة القومية للحكم، في بلد يتحرر بمستوى وعي قاصر عن الحرية التي يراها المنتصر حريته في تصفية خصومه ومعارضيه، تحت شعار تصفية الاستعمار وأعوانه، ومن القصور في الوعي أن يكون كل الكوادر التي كانت تدير عدن والموظفين الحكوميين والتجار والشركات العاملة هي أعوان ذلك الاستعمار، ومن الواجب الوطني تصفيتها، في تجريف غبي لعدن كمركز تجاري ومنطقة حرة ونقطة وصل بين العالم وترانزيت لكبرى شركات النقل العالمية؛ اُريد لعدن والجنوب أن يكون وطن لا يستوعب كل أبناءه، بل فئة محددة بفكر وأيدلوجيا، ولهذا لم تعد عدن كما كانت في عهد الاستعمار، بل تحولت لحلبة صراع موسمي بين رفاق النضال، وكلما اشتد الصراع كلما ضاقت حلقاته لتطال درب النضال الواحد والفكر الواحد، تشظي وشتات وضياع في مصطلحات اليمين الانتهازي، اليسار انتهازي، الطغمة والزمرة، هذا الفشل والعجز لن يستطيع أن يحمي أي منجز وطني، ذهب للوحدة المقرونة بالتعددية والديمقراطية مشتتاً ضعيفاً هشاً، وكان صيداً سهلاً للقوى التقليدية وطاهش الحوبان.
هذا الفشل والعجز لا يستطيع أن يحمي المنجزات والمشاريع الوطنية والانسانية، ويحفظ القيم والمبادئ، عجز في مواجهة الحقائق فيعيش الأوهام، كما قال فولتير: (الانسان يبحث دائما عن الأوهام، لأنه أجبن من أن يواجه الحقائق)، فلا غرابة أن نجد اليوم المشاريع الاستعمارية والصغيرة تتصدر المشهد في معركة الثورة والجمهورية والوحدة.
أزعجني اسقاط يمنية المكونات السياسية والأدبية، وما لم أكن أنا يمني ومسقط رأسي عدن أو الجنوب، ماذا سأكون عربياً والعربي يفتخر باليمن كأصل لعروبته، عن أي أدب وفكر وثقافة وعلم ترتكز فكرة أننا غير يمنيين، ممن هم أكثر قراءة وبحث في التاريخ والأحداث. هذه الفكرة التي بدأ يتداولها الجهلة والمتخلفون والأميون الذين جعلتهم أحداث الصراعات والفشل والعجز وعاء ممتلئ بالانفعالات والنزعات التي أسقطتهم قيمياً ومبادئ، فاختاروا الهروب للماضي والوهم في جبن من مواجهة الحقائق، وعجز من تقييم ونقد المرحلة، فكرة ترعرعت في عقل جاهل، وتلقفها عقل مثقف وأديب ليبني منها مشروعه الصغير، ويتنكر لهويته وهوية مكونه.
المعذرة للمناضل عمر الجاوي، عبدالله باذيب، عبدالله البردوني، وكل مناضلي الثورة والجمهورية والوحدة، لقد فشل أسلافكم في حماية مشاريعكم الوطنية والإنسانية، وصاروا جزءاً من رداءة الواقع، يشرعون لمشاريع استعمارية تسلخ الأرض والإنسان من هويته وتاريخه وعراقته كيمني أصيل، ليكونوا مجرد وحدة جوار استعمارية.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.