آراء ومواقف

الحوثي يرفد الجبهات بالمولد النبوي!

إبراهيم عبد القادر

يلخص المقال استغلال الحوثيين للمناسبات الدينية لحشد المقاتلين إلى الجبهات بعيداً عن الجدل التقليدي الدائر بين فريقين، من يرى بأن المحتفلين بمولد خير البشر صلى الله عليه وسلم مبتدع مخالف، ومن يعتقد أن مولده، صلوات ربي وسلامه عليه، لم يكن بهذا التاريخ، الذي عرف بالروايات والمناهج أنه كان في 12 ربيع الأول، هذا برأيي جدل عقيم لسنا بحاجة له، يكفي أن نعتقد بأنه من شاء احتفل بذكرى كهذه ومن شاء رفضه، هذه حقوق بديهية، كفلتها الأنظمة وكل الديانات، ولسنا بصدد منع الحوثي أو غيره من الاحتفال، إنما هناك حيثيات وتناقضات ينبغي التركيز عليها قبل ذلك!
أن يحتفل ناطق جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي بهذه الذكرى النبوية فهو شيء ربما ليس بغريباً، من باب أن ذلك يأتي في إطار عمله، كشخص مهمته التدليس وتطبيع مواقع التواصل وتقديم دولته المحتلة كدولة سلام تتعايش مع الجميع، لكن أن يحتفي الحوثي بهذه الذكرى فهو الشيء المحير حقاً، فبالنظر لماهية هذه الجماعة سنجد الفارق الكبير الذي يجعل احتفالهم مجرد “طقطقة عيال” وحسب، لأن احتفالاً من هذا النوع في الأساس يفضحهم ويدينهم بالدرجة الأولى، فلم نسمع أن هناك مجموعة من البشر في أي زمان أو مكان احتفلت بعيد ميلاد رجل، ظلت طوال وقتها تفعل نقيض ما كان عليه كلياً، وتستخدم القتل والتنكيل والنهب كأهم أساليبها في التوسع والتمدد، أكثر من ذلك هذا الرجل في أدبياتها مجرد “جد ونسب”، واحد من العائلة الكريمة وحسب، وهذا يكفي لنعرف لماذا يحتفلون!
لا يحتفل الحوثيون بمولد النبي كذكرى عيد ميلاد مجيدة، يحيون من خلالها سنته ورحمته التي تهدي العالمين، وكنبي قال عن نفسه أن “بعث ليتمم مكارم الأخلاق”، نشر العدالة ورفض العنصرية والعصبية، وأرسى دعائم الشورى والحكم السديد، إنما يحتفلون به كأداة يسوّقون لمشروعهم  القائم على الفرز العصبوي من خلالها، وسيلة “النبي محمد” وسيلة فارهة يقدم الحوثي نفسه للمجتمع باعتباره جزء من مشروعه، ويستعطفون الجماهير باسمه، لتحقيق أغراض سياسية واقتصادية وحسب، ومع كل فضيحة لهذه الجماعة يخرجون على الناس بحديث شريف وآية من القرآن الكريم لتنقذهم!
في كل مرة يكثّف الحوثيون حملاتهم التي تحتفي بذكرى المولد النبوي، هذه المرة كانت ملفتة، جاءت الذكرى بالتزامن مع التراجع والإنحدار الكبير لمليشياتهم في كل الجبهات، تلقوا ضربات موجعة في الحديدة والبيضاء وشبوة وحجة، في الوقت الذي تعاني فيه الجماعة أصلاً من شحة في المقاتلين وعجز في استقطاب المجاهدين، وفق تسميتهم، رفضت القبائل إمدادهم بأبنائهم بعد أن عاد كثير منهم جثامين، وفشلت حملاتهم الدينية في فتح المعسكرات والتدريبات، لم يكن من بد أمامهم سوى ذكرى المولد النبوي لرفد الجبهات، وهذه فرصة لا تفوتها جماعة كهذه، فراحت لما هو أبعد من ذلك!
أجبر الحوثيون المدراس والجامعات والمساجد والمحال التجارية بالدفع باتجاه الاحتفال بالذكرى النبوية، ودفع الإتاوات والمبالغ من أجل تمويل مصاريف احتفالية المولد النبوي، على أعلى مستوى كان الاهتمام، أراد الحوثي من هذه الذكرى أشياء أهم من كونها ذكرى لنبي ودين ورسالة، وهو الهدف الذي دائماً يتمترسون خلفه.
كان هدف الجماعة من احتفالية كهذه، كهدفهم كل مرة، الإستعراض العسكري والسياسي، وإرسال رسائل بأنهم محميون بالجماهير، هذه المرة كانت الرسالة داخلية بالدرجة الأولى، أراد عبد الملك الحوثي أن يحمي نفسه وأن يبحث عن النجاة وسط القهقري الذي يلاحقه في كل الجبهات، وستكون هذه الحشود باب كبير لرفد الجبهات بالمغرر بهم وسحب الكثيرين منهم للجحيم، مقابل نجاة مجموعة من اللصوص والإنتهازيين!
يقول الحوثي بهكذا احتفالات “أنا هنا” موجود، حينما يُصاب بالعزلة والقهر والوجع المتلاحق، يثبت حضوره بالتمتمرس خلف الأبرياء والمدنيين، يقاتل بأرواح الناس، ويرفع يد المظلومين ليؤكد حضوره ووجوده العدمي!

صرف الحوثي ملايين الريالات ليقول للناس أن النبي جده ومن سلالة النسب الطاهر، في ذات الوقت تمتد طوابير طويلة في الطرقات للحصول على لقمة خبز، تتسول المنظمات الإغاثية للفوز بلتر ماء وبقايا من سفر الموائد!
حتى لا ننجر للثانويات والفروع، المسألة الرئيسية والأهم في احتفال هذه الجماعة بمولد النبي الأكرم، أنها جماعة ليست بحركة دينية ولا سياسية ولا شيعية ولا رافضية ولا حتى تعتبر حركة طائفية أو كيان لدولة، إنما هي مجرد مجموعة من قطاع الطرق واللصوص المتسترين، تتكاثر في السوق السوداء وأماكن توزيع الغنائم والعطايا، وتنمو من حقوق الناس وخيراتهم!
‫ليحتفل الحوثي بالمولد النبوي كما يشاء، هذا حق له دون شك، إلا أنه لن يستطيع إخفاء حقيقة أنه لص متخفي بثياب النبي والدين، سرق رواتب الناس ونشر المجاعة في كل الأرجاء، وأشاع القتل والخراب في كل شبر باليمن، ويستخدم النبي ومولده لمزيد من هذه الأفعال!
‫الحوثي مليشيات مسلحة انقلبت على الدولة مستخدمة الدبابة وبحور الدم لتحقيق أغراضها التوسعية، هذه هي الحقيقة التي يجب أن نسلط الضوء عليها، حتى لو احتفل بالنبي ونزل فيه آياتُ تتلى، وما لحق بها من نتائج كارثية جعلت شعبنا مجرد أرقام في احصائيات المجاعة والموت، هي نتيجة انقلابه المسلح، فدعوه يحتفل بالنبي، فالنبي هو في بُطُون الجوعى والمشردين ولا شيء آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى