الحرب التي تدور رحاها في اليمن حاليا، والتي أرى أن شرارتها بدأت باحتلال الحوثيين العاصمة صنعاء، تحولت إلى حملة تدمير وتغريب لملايين اليمنيين. وينطبق على هذه الحرب ما ينطبق على الحروب الأخرى. عادة ما تكون نتائج الحروب غير مطابقة لتنبؤات من خطط لها. وعادة ما يكون المخطط، ومن يشن هذه الحروب، أكثر تفاؤلاً بالمدة والجهود المطلوبة لتحقيق أغراض هذه الحروب. هكذا كان تاريخ الحروب قديما وحديثا. فعندما هاجم هتلر بولندا عام 1939، لم يتوقع أن تنتهي الحرب بدخول قوات التحالف إلى برلين عام 1945، وعندما دخلت أميركا حرب فيتنام لم تتوقع أن تضطر إلى الانسحاب السريع من هذا البلد بعد ثماني سنوات. وعندما شن صدام حربا على إيران عام 1980 لم يكن يتوقع أن تدوم هذه الحرب ثماني سنوات. كما أن الولايات المتحدة ارتكبت اخطاء استراتيجية ومخابراتية بغزوها للعراق. ومع أن الحروب تختلف أسبابها ومرجعيتها الأخلاقية، فإنه في النهاية عادة ما يكون ثمنها باهظا على السكان المدنيين. فالحرب التي تدور رحاها في اليمن حاليا، والتي أرى أن شرارتها بدأت باحتلال الحوثيين العاصمة صنعاء، تحولت إلى حملة تدمير وتغريب لملايين اليمنيين. وينطبق على هذه الحرب ما ينطبق على الحروب الأخرى.
هذا وقد وصلت المأساة الإنسانية في اليمن إلى درجة من الآلام والعذابات لم تبلغ في الحروب الأخرى. فقد أصابت وقتلت أطفالا يعيشون في مناطق القصف، وعلى بعد مئات الكيلومترات من أرض المعركة، وذلك بتدهور أسباب معيشتهم، بسبب تدهور القوة الشرائية للعملة. فيقول علي الحجاج، وهو مواطن من مدينة حجة شمال غرب صنعاء: «لا أستطيع شراء الأكل، لذلك يموت أولادي أمامي من الجوع». هذا مما نشره ديلكان والش في النيويورك تايمز، ضمن مقاله المرجعي الطويل حول المجاعة التي تسببها الحرب في اليمن، في 26 أكتوبر 2018. والمواطن علي الحجاج لا يعيش في منطقة معزولة، وإنما في مكان تتوافر فيه امدادات غذائية كثيرة، لكنه لا يستطيع شراء الأكل بسبب بطالته واستنفاد مدخراته. وقد فقد أحد أطفاله بسبب الجوع، وطفله الثاني يعاني من المجاعة. وقد نشرت الصحيفة صورا عديدة توضح مدى معاناة الاطفال في اليمن من المجاعة. وقد وصل حدها إلى أن المراسل قابل طفلا عمره حوالي السنة، لكن وزنه يبلغ حوالي 3 كيلوغرامات فقط. ويبدو أن المقاطعة التي تفرضها دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات لا تؤثر اقتصاديا على الموالين للحوثيين، فقد ذكر تقرير الصحيفة أن كثيرا من الموالين للحوثيين حققوا نجاحات اقتصادية، على الرغم من الحرب والمقاطعة. فبعض الموالين الذين كانوا ينتمون إلى طبقات فقيرة، أصبحوا يملكون سيارات فارهة.
وكان لتدهور العملة الأثر الكبير في نشر الفقر، الذي بدأ بعد أن قامت الحكومة الشرعية بعد خروجها من صنعاء، بطبع 600 مليار ريال، وزادت المأساة بعد أن توقفت الدولة عن دفع رواتب %80 من موظفيها، الذين كونهم يعيشون في مناطق يسيطر عليها الحوثيون. ومع أن السعودية دفعت ملياري دولار إلى البنك المركزي اليمني، فإن العملة استمرت في تدهورها، وبالتالي تدهور قدرة المواطن اليمني على شراء الخبز، لذا أصبح 8 ملايين من اليمنيين يعتمدون على برنامج المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة، وسيزيد قريبا إلى 14 مليوناً، وفقا لمارك لوكوك ــ الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية ــ لذا في ظل هذا الوضع المأساوي في اليمن، تبدي الدكتورة مكية مهدي، التي تعمل في مستشفى في محافظة إسلام استغرابها للوسواس الغربي في مقتل خاشقجي، في الوقت الذي ترى فيه الاطفال يموتون من الجوع.
إن الوضع الإنساني في اليمن يتطلب من مواطني ودول الخليج أن يضاعفوا دورهم في تخفيف آلام هذا الشعب الشقيق. وكما ذكرنا بداية، فإنه من الصعب التنبؤ بنهاية الحروب، ومهما كانت أهدافها الاستراتيجية والأخلاقية، فإنه تبقى هناك ضرورة إلى مراجعة لأسباب استمرارها أو وقفها. ولا بأس أن يرتقي العامل الإنساني على الأهداف الاستراتيجية، حيث يبقى التساؤل: ما جدوى أن تحقق الحرب جل أهدافها الاستراتيجية من دون النظر في التكلفة الإنسانية لتحقيق هذه الأهداف؟
نقلا عن جريدة القبس الكويتية