جاء في كتب الحديث والتاريخ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف أثناء عودته من (حجة الوداع) بالقرب من غدير ماء في مكان يسمى: (خُم) ووعظ أصحابه قبل ان يتفرقوا إلى بلدانه بكلام طويل، جاء فيه أنه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه». جاء في كتب الحديث والتاريخ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف أثناء عودته من (حجة الوداع) بالقرب من غدير ماء في مكان يسمى: (خُم) ووعظ أصحابه قبل ان يتفرقوا إلى بلدانه بكلام طويل، جاء فيه أنه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وهذه الجملة مما تم توظيفه بعد زمن الخلافة الراشدة في الصراع السياسي الذي نشأ بين الأمويين والعلويين، وتحول مع الزمن إلى خلاف مذهبي بين الشيعة والسّنة، ونتيجة لذلك ثار جدل واسع حول: صحة تلك الجملة، وحقيقتها، ولفظها، وسياقها، ودلالتها. حيث رأى أهل السنة أن جملة: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ليس لها علاقة من قريب ولا من بعيد بموضوع الخلافة، ولكنها وردت في سياق الوصية بالموالي، فقال لهم من كان ولاءهم إليَ فإن ولاءهم بعد موتي إلى علي بن أبي طالب، لأن بعض القادمين من خارج كانوا يفضلون أن يلتحقوا بموالاة رسول الله عن موالاة أي أسرة أخرى من قريش.
ويستظهرون بأن الإمام علي نفسه لم يحتج بهذه الجملة عند ترشيح نفسه للخلافة، ولم يأت في حديث معتبر أن أحداً من الصحابة ذَكَّر بها، لا عند بيعة أبي بكر ولا عند بيعة عمر ولا عند بيعة عثمان، مما يدل على أنها لم ترد في شأن الخلافة أصلاً.
أما جمهور الشيعة فإنهم يرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد بتلك الجملة الإشارة إلى أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة، ووضعوها في سياق خاص يوحي بذلك، وأضافوا لها جملاً وعبارات تؤيد ما يريدون. فرووا أن النبي أوقف علياً إلى جانبه ورفع يده فيما يشبه الإعلان عن خلافته، وقال بعدها: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله». بل زاد بعضهم على ذلك فزعم أن بعض الصحابة هنأ علياً يومها بالخلافة، وقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن عموم الشيعة اختلفوا في العاطي مع تلك الجُملة، فالشيعة الإمامية الاثني عشرية الجعفرية يزعمون أنها تنص على حق علي بالخلافة نصاَ صريحاً لا يحتمل التأويل، بل يُكفر أو يفسق من خالفه، سواء كان من الصحابة أو من غيرهم، وبناءا على ذلك ظهر رأيهم السيئ فيمن تقدم الإمام علي من الصحابة رضوان الله عليهم. بينما يرى أئمة وعلماء الزيدية أن دلالة تلك الجملة وسياقها لا يدل صراحة على موضوع الخلافة، وإنما يفهم بشيء من التأويل والاستشهاد، ولذلك لم يكفّروا ولم يفسقوا من فهم الكلام على خلاف ما فهموه. وهذا مصرح به في كثير من كتب الزيدية، بل رد بعضهم على الإمامية ردودا مطولة.
منهم الإمام عبد الله بن حمزة حيث قال في كتاب (العقد الثمين): «زعمت الإمامية أن النص جلي بحيث يعلم أن الجميع اضطروا إلى العلم بالمراد به، وأن الكل عَلِمَ أن قصد النبي أن علياً إمام الأمة بعده بلا فصل.. وأن من تقدم علياً عليه السلام مكابر عامل بخلاف ما علم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الصَّحابة كابروا وباهتوا في أمره عليه السلام».
ثم أجاب عليهم فقال: «إنكم أتيتم ما لا دليل عليه، وكل مذهب لا دليل عليه فهو باطل.. وأضاف: لو كان المراد بتلك الاخبار معلوماً عندهم ضرورة كما زعموا لاستغنوا بذلك عن الكشف والبيان، كما فعلنا في أصول الشرائع المعلومة ضرورة… ولما رأينا علماءهم المبرزين كالشريف المرتضى الموسوي ومن تقدمه، وتأخر عنه من أهل الكلام بالغوا في تبيين معنى الأخبار فعلمنا أنهم من اعتقاد الضرورة على شفا جرف هارٍ؛ لأن من تحمل المشقة في إظهار الظاهر كان عابثاً، وكيف يكشف المكشوف؟ أو يجتهد في صفة المشاهد المعروف»؟ وهو كلام طويل.
أما الإضافات التي تُحكى لتجعل حادثة الغدير واردة في مسألة الخلافة؛ فهي إلى الأقاصيص وحكايا أقرب، لم تأت من طرق موثقة، لا في كتب الشيعة ولا في كتب السنة.. على أنها مذكورة في بعض كتب التاريخ، بيد أن وجودها في أي كتاب لا يدل على صحتها ما لم تأت برواية مسلسلة متصلة من طريق الثقات العدول من المحدثين أو من أهل البيت.
وبهذا نخلص إلى ان الخلاف في مسألة الخلافة جاء نتيجة اختلاف في تقدير الأصلح والانسب، وهو مجرد خلاف سياسي، لا يرتقي إلى مستوى الخلاف الديني الذي ينبني عليه ولاء وبراء وحق وباطل، وقطيعة بين المسلمن.
*كاتب وباحث في الفكر الإسلامي