يخيل إليك وأنت تدلف سجون مليشيات الحوثي أن عجلة الزمن دارة إلى الخلف ليس لعدة عقود هي عمر الجمهورية التي كانت وليدة ثورة 26 سبتمبر 1962م فحسب، بل إنك تعود لعصور أشد قتامة وظلاماً.
كانت ليلة مرعبة بالفعل مساء 18 فبراير 2016، حين طوقت أطقم مليشيات الحوثي سكني الذي كنت فيه مع رفيقي حسين العيسي، كل هذه العناصر المليشياوية التي حاصرت المكان وطوقته لا تمت إلى الأجهزة الأمنية بصلة، إلا أنها اغتصبتها عنوة برضا أطراف محلية ودولية، وداهمت المسكن بصورة وحشية، تعكس النفسية الحاقدة على كل من يرفض الخضوع لسلطة الطائفة والسلالة المنقلبة على الدولة والشعب، وإلا فلماذا يداهم عشرات المسلحين مقراً لمدنيين عزل لا يمتلكون إلا قلماً وجهاز لابتوب وهواتف محمولة.
حين سلمونا لسجن “الشونة” في معبر، كان هناك مراهقاً على بوابة المعتقل المظلم يؤكد لنا أنهم لم يختطفونا إلا من أجل دين الله، وبعدها بأيام قليلة قال سجانونا في صنعاء إنهم اختطفونا من أجل الوطن، وما بينهما كان المقدس هو الحوثي وأن الدين والوطن بريء من هكذا تصرفات رعناء، وممارسات وحشية، لا تمت للإنسانية بصلة.
في غرف مظلمة في شونة معبر، التي هي بالأساس مخزن لحبوب الزكاة، يتكدس مئات السجناء، وفي ظلام دامس يقضون ساعات الليل والنهار، لا فرق، يتناولون بقايا أطعمة تمّ تجميعها من منازل حوثيي معبر، كنا حوالي 10 سجناء بينما الطعام لا يكفي لثلاثة، فضلاً عن أنه ما تبقى من موائد هاشميي معبر، وعقدت النية وقتها أنني سأشكر صديقي الصحفي الهاشمي عبدالفتاح البنوس، فربما هو الآخر قد جلب لنا ما تبقى من مائدته، حيث أنه سبق أن انتخبناه رئيساً لرابطة صحفيي ذمار، دون النظر للسلالة، لنتناول معه ماءاً ملوثاً، وفوق هذا لا توجد دورة مياه إلا مرحاض في أقصى الغرفة.
شعرت بالمرارة وأنا اشاهد أطفالاً يمارسون دور السجانين ويرفعون أصواتهم بتعالٍ، على أنهم من آل بيت النبوة، بينما كان يفترض أن يكونوا في مدارسهم، لكنهم موتورون بما يكفي أن يصرخوا في وجوهنا بالموت على أننا وكلاء أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
في اليوم التالي لاختطافي، كنت على موعد مع أول عملية تعذيب، كان “أبو عبدالملك” يريدني أن اعترف وأنا معصوب العينين، أنني احدد احداثيات لطيران التحالف، ووجه اتهامات سخيفة، ويريدني أن اقر أنه وجماعته هم وكلاء الله على العباد، وحتى على تعذيب اليمنيين، ووقتها أفرغ حقده في ساعتين تعذيب حولت ملابسي الداخلية إلى اللون الأحمر، وتركت على يدي سوارين أحمرين من الجروح والدماء نتيجة التعليق.
كان التعذيب مؤلماً والحقد يطفح من ثنايا كلامه وهمسات الذين بجانبه، غير أنني وقتها كنت استشعر أننا نواجه طغياناً أشد وقاحة من طغيان أئمة بيت حميد الدين، وأن جماعة هذا تعاملها مع المختطفين المدنيين فإنها تخلت عن أدنى القيم الإنسانية فضلاً عن قيم المواطنة، في سبيل مشروعها الاستعبادي.
ثلاثة أيام في سجن معبر كانت أسوأ أيام حياتي، توصلت فيها إلى حقيقة أن حوثيي ذمار هم اسوأ فئات الجماعة في اليمن، وأن التعايش مع هذه العصابة ضرباً من المستحيل إذا لم تكن خانعاً لها.
– يتبع
——————
عبدالله المنيفي، صحفي يمني اعتقله الحوثيون (760) يومًا واطلق سراحه بوساطة قبلية.
*سلسلة المقالات (مذكرات صحفي معتقل) خصّ بها “يمن مونيتور”، تمثّل شهادته على أحداث اعتقاله، ويمنع نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.