فساد سخر من دموع باسندوة حينها، ولا يزال يسخر من دموع الشعب.
إنها الحرب العبثية التي أفسدت الروح والعقل، في حصاد القتل اليومي للأفضل، ليتاح المجال للأسوأ، لتجعلنا في قمة الألم والأوجاع، لنتجرع مرارة الخذلان، ونحن نرى أحلامنا وطموحاتنا تتكسر أمام أعيننا، ويتساقط الناس جوعًا وعطشًا ومرضًا وفقرًا.
فسد الكثير، حينما تحول لقطيع تقوده الإشاعة، والاتهام، والشك والريبة من الرأي الآخر والمختلف معه وعنه، فساد مزقنا وشتت أوصالنا مما جعلنا لقمة صائغة لأعدائنا.
هذا هو الفساد الذي فض طاولة الحوار ورمى بمخرجاته بعيدًا، واختطف العقد الاجتماعي الذي كاد أن ينظم حياتنا، والتوافق في تحييد العنف والسلاح وقواه التقليدية المتخلفة، لتتصدر المشهد قوى حيه بأفكارها تواجه الحجة بالحجة، لنبني وطنًأ يستوعب الجميع كشركاء في السلطة والثروة والربح والخسارة، يحكم بيننا عقد اجتماعي، ونتبادل سلميًا السلطة بالانتخاب.
فساد سخر من دموع باسندوة حينها، ولا يزال يسخر من دموع الشعب.
فساد مدلولاته، في الصراع على مراكز القوى، بالاجتثاث والتسيد اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، هم أنفسهم الفاسدون والمفسدون بواحدية الهدف والمصير في الشمال والجنوب، بتزاوج السلطة بالتجارة، كلما ثروا كلما زاد جشعهم ونهمهم، وهل من مزيد.
(أِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) صدق الله العظيم. العقل الفاسد يحمل فكرًا فاسدًا وثقافة رديئة ومنطقًا أعوج، يسعى بأنانيه للإثراء، على حساب شرخ الوطن الاجتماعي والسياسي، بنفاق الأشد وطاءة من الفساد المادي، الذي من السهولة الحدّ منه بدولة ونظام وقانون، يحاسب ويعاقب.
اليوم، الفساد مستشرٍ في استغلال الوظيفة والمقاومة والجهاد والدين، في استثمار أحلام وأوجاع الناس، للوصول لأهداف قذرة، تشبعهم ويجوع الناس بسببهم.
الفساد الذي أسماه “انشتاين” بالغباء الذي يفعل نفس الشىء مرارًا وتكرارًا ويتوقع نتائج مختلفة، تكرار لا علاقة له بالمحاولة والتجربة التي تحتاج لتغيير ولو طفيف في الفعل، بل تكرار للمآسي والفشل والانهيارات.
اليوم، هناك من يريد تكرار مشهد الانقلاب في الشمال، الذي كان سببًا رئيسًا في الحرب وجعل اليمن ساحة حرب اقليمية بالوكالة، كل ما نحن فيه هي نتائج ذلك الانقلاب وأعراضه المرضية.
ماذا صنعت بنا الحرب؟ حرب عبثية كهذه لم تؤثر فينا، عقلًا وضميرًا، لنعرف مصالحنا العامة، ونتجنب الأنانية ومصالحنا الخاصة، لينتصر الخير فينا.
سقط الريال اليمني بعد أن سقطنا نحن في الأنانية، التي جعلت بعضنا أدوات خراب وتدمير، لنكن مراكز قوى ونفوذ مناطق وطوائف، لأذناب في مخطط خبيث، لنجعل من وطننا لقمة صائغة للأطماع.
البسطاء وحدهم من يتجرع اليوم مرارة المعيشة ويكتوي بنار الغلاء، بسطاء الريال اليمني، لا مراكز نفوذ الدولار ولا ريال العملة الصعبة.
هم ذاتهم لصوص الايرادات، والمعيقين لتحسين مستوى الدخل القومي ورفد الخزينة العامة بالمال، لدعم الاقتصاد والنهضة، ليتحسن حال الناس وواقعهم، لننهض كسائر الأمم.
ولا زالت المؤامرة لأسقاط ما تبقى من دولة، ليسهل اقتيادنا للمسلخ.
المجتمع الحي هو الوحيد القادر على استيعاب الدروس والعبر، وتجاوز مآسيه وعثراته، لينهض ويستعيد ذاته، ما دام فينا روح تنبض فلا زلنا مجتمع حي قادر على أن ينهض وينتفض على هذا الواقع البائس، ويطرد الأشرار منا والشياطين فينا من نفوذ المال والعنف، لننقذ ما تبقى من أواصر وعلاقات ووطن.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي