ثمن الإفراج عن نجلي الرئيس اليمني الراحل “صلاح ومدين” (تحليل خاص)
قراءة تحليلية لدوافع الإفراج عن أولاد الرئيس اليمني الراحل يمن مونيتور/ خاص/ من ليث الشرعبي
لم تتوقف الشائعات حول إطلاق سراح أولاد الرئيس اليمني الراحل السابق علي عبدالله صالح منذ أن اعتقلتهم جماعة الحوثي المسلحة قبل عشرة أشهر في العاصمة اليمنية صنعاء، وتحديدًا في ديسمبر/ كانون الأول 2017، إثر مواجهات دامية انتهت بمقتل صالح.
قبل أيام، اتهم التحالف العربي مليشيا الحوثي بمنع طائرة أممية من الهبوط في مطار صنعاء لنقل نجلي الرئيس السابق إلى خارج اليمن بموجب اتفاق مسبق مع الأمم المتحدة، واشتراطها وصول طائرة عُمانية إلى مطار صنعاء لنقلهم.
جماعة الحوثي لا تحترم وعودها ولا تفي بالتزاماتها ولا تجامل أحدا أمام مصالحها الخاصة، وقد فاجأت الرأي العام الأربعاء الماضي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2018م، بإطلاق سراح صلاح ومدين علي عبدالله صالح، الأمر الذي يثير التساؤلات، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول الثمن والمقابل؟
* التغطية الإعلامية
تباينت وسائل الإعلام المحلية والخارجية في تناولها لهذا الحدث الملفت، فوكالة الأنباء اليمنية “سبأ” الخاضعة لجماعة الحوثي، نشرت خبرًا مقتضبًا قالت فيه إن قرار الإفراج جاء “بموجب قرار عفو من رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط”، أعلى هيئة في الجماعة المسلحة التي اجتاحت البلاد أواخر سبتمبر/ أيلول 2014 وأحكمت قبضتها على العاصمة وبعض مدن البلاد بالشراكة مع جناح “صالح” في حزب المؤتمر آنذاك، قبل فكّ الشراكة والمواجهة المسلحة فيما بعد.
بينما قال إعلام دول التحالف العربي إن قوات التحالف العربي نجحت في الإفراج عن نجلي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأشار إلى عملية التفتيش والسماح للطائرة الأممية بالمغادرة إلى صنعاء عبر الأردن، والعودة إليها من أجل نقلهم.
وتحدثت وسائل إعلام أجنبية عن وساطة عُمانية قادها السلطان قابوس بن سعيد شخصيًا، وهذه يبدو أنها الأقرب للمنطق.
وذهبت مواقع إخبارية إلى استغلال خبر الإفراج للإساءة إلى قطر، وذلك باتهام الدوحة بدفع مليارات الدولارات لجماعة الحوثي مقابل الإفراج عنهم.
وهناك مواقع إخبارية قليلة غردت بعيدًا بالحديث عن صفقة تمت وتضمنت اعتزال طارق صالح العمل العسكري ومغادرته محافظة الحديدة، وتناست هذه المواقع أن الحوثي لم يطلق سراح صالح نجل طارق صالح، وآخرين.
إعلام حزب المؤتمر الشعبي العام (فرع صنعاء) أشار إلى جهود “رئيس المؤتمر الشعبي العام الشيخ صادق أمين أبو راس، والأمين العام المساعد ورئيس مجلس النواب الشيخ يحيى الراعي”.
من جهتها، لم تعلق الحكومة اليمنية الشرعية رسميًا على عملية الإفراج، وكان لافتًا أن موقع “خبر” للأنباء تجاهل خبر الإفراج، وهو الموقع المقرّب من أحمد علي عبدالله صالح، النجل الأكبر لصالح والمقيم بالإمارات، لكنه نشر بعد يومين رسالة شكر وتقدير من أحمد علي إلى السلطان قابوس لوساطته، وشكر للتحالف العربي بقيادة العاهل السعودي وولي عهده، لدورهم في تسهيل عملية نقل المعتقلين من صنعاء.
وقدم أحمد علي شكره لرئيس الإمارات وولي عهده لمساهمتهم الفاعلة في ترتيب وتسهيل إخراج المعتقلين واستقبالهم في أبو ظبي. وكذا شكر لقيادة المؤتمر الشعبي العام في الداخل والخارج “والذين كان لهم جميعا الدور في تأمين الإفراج عن عدد من أسرة صالح كخطوة أولى للإفراج عن بقية المحتجزين”، حد قوله.
والملاحظ أن رسالة أحمد علي راعت الجميع باستثناء الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، فهل تكاملت الأدوار في الإفراج عنهم أم ماذا؟
* الدولة المستفيدة
قادت سلطنة عُمان عدة وساطات للإفراج عن أجانب معتقلين لدى جماعة الحوثي، وذلك بطلب من حكومات بلدانهم في إطار مصالح وخدمات متبادلة بين الحكومات، وبينهم مواطنين أمريكيين رغم أن الجماعة ترفع شعار “الموت لأمريكا”!
وإذا كانت عمان قد توسطت بالفعل، فمن الذي طلبها للقيام بهذا الدور، ولماذا ظلوا في السجن طوال هذه الفترة ومعروف أن علاقة عمان جيدة إلى حد ما مع الحوثيين، ولماذا لم يطلب الرئيس هادي من عُمان التوسط للإفراج عن شقيقه، وإذا كان للسلطان قابوس دور فلماذا تجاهلته وكالة “سبأ” الحوثية واكتفت بـ”عفو المشاط” فقط؟
أما قطر فليس لها مصلحة فعلية للإفراج عنهم حتى تدفع مليارات الدولارات كما يشاع، وقد جاءت رسالة أحمد لتأكيد عدم قيامها بأي دور ولهذا لم يشكرها إطلاقًا، وهذا طبيعي، فالدوحة لديها موقف عدائي تجاه عائلة صالح فرضته ثورات الربيع العربي في 2011م، ولن تسعى للإفراج عنهم لخدمة أبو ظبي.
الإمارات لديها مصلحة كبيرة في الإفراج عن أولاد صالح ضمن أجنداتها في دعم الثورات المضادة في دول الربيع العربي، فالإمارات تشعر أن استمرار اعتقال أولاد صالح ورقة ضغط على عائلة صالح، وتريد تحريرها من هذا الصداع المزمن حتى تستعيد عافيتها وتبدأ بتجميع بقايا النظام القديم، والسعي إلى السلطة مجددًا.
ولن تطلب الإمارات من عُمان التوسط لإطلاق سراحهم، فالعلاقات العُمانية الإماراتية تشهد توترًا متزايدًا منذ سنوات. فالسلطنة تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، وفي يناير/ كانون الثاني 2011م، أعلنت عُمان أنها اكتشفت شبكة من الجواسيس في عمان تعمل لصالح الإمارات. وسبق أن اتهم مسؤولين إماراتيون السلطنة بـ”تسهيل عملية تهريب أسلحة إيرانية إلى المتمردين الحوثيين عبر محافظة المهرة اليمنية”، وهو ما تنفيه مسقط، وتعتبر أن من مهمة الحكومة الشرعية في اليمن تأمين حدودها بدل كيل التهم الباطلة هنا وهناك.
* الدولار أولًا
ينظر عبدالملك الحوثي للإمارات كعدو، وإعلامه ينشر باستمرار أخبارًا عن استهداف مطار دبي بطائرات مسيرة وهو ما تنفيه الإمارات مرارًا، ويدرك الحوثي أيضًا أن الإمارات هي المستفيد الأكبر من إطلاق سراح أولاد صالح، لكن الحوثي سيبيع “مذهبه” أمام الأوراق الخضراء.
تعتقل جماعة الحوثي مواطنين يمنيين عاديين في الخطوط العامة لمجرد الاشتباه، وترفض الإفراج عنهم إلا بعد دفع مئات الآلاف، وكثير من اليمنيين تم اعتقالهم لشهور بدعوى وجود صورة داعمة للحكومة الشرعية وجدت في تلفوناتهم أثناء تفتيشها.
ورغم براءتهم لم يفرج عنهم إلا بمقابل مالي يصل إلى مئات الآلاف من الريالات مهما كانت الوساطات، وهناك تقارير حقوقية تؤكد ذلك، فإذا كان هذا تعامل الجماعة مع مواطنين عاديين، فكيف ستتعامل مع أولاد رئيس حكم البلاد 33 عامًا وشن عدة حروب ضدهم؟
كما أنه من المستحيل أن تفرج جماعة الحوثي عن أولاد صالح بدوافع إنسانية، فجماعة الحوثي لا تكترث للقيم والأخلاق والإنسانية، وهناك المئات من المعتقلين في سجونها منذ سنوات بدون تهم أو محاكمة، والمئات من الأبرياء ماتوا في سجونها جراء التعذيب الوحشي.
بل إن الجماعة رفضت الإفراج عن معتقلين مدنيين عاديين أصيبوا بالشلل والعمى في سجونها من شدة التعذيب إلا في إطار عملية تبادل أسرى لجنودها.
ولم تصل جماعة الحوثي إلى مرحلة الرشد والنضج حتى تقوم بالإفراج عن أولاد صالح لتخفيف الاحتقان الشعبي ضدها، ولو كانت تفكر بهذه العقلية لكانت أفرجت عن عشرات المعتقلين من متخلف الانتماءات السياسية خصوصًا وأن الإفراج عن أولاد صالح يضعها الآن في موقف حرج أمام الرأي العام.
وقد تجلى ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشر كثيرون منشورات وتغريدات ساخرة من سلوك الحوثي الذي أفرج عن أولاد صالح وأبقى على آخرين مدنيين بدون ذنب فقط لأنهم عاجزين عن الدفع الفوري!
وأما الحديث عن قيام جماعة الحوثي بهذه الخطوة إكرامًا لحزب المؤتمر (فرع صنعاء) فهو حديث يثير الضحك؛ فالجماعة لا تحترم حلفاءها إطلاقًا، ولو كانت تضع اعتبارًا للحلفاء لما قتلت زعيمهم “صالح” بتلك الطريقة البشعة وأخفت جثته حتى اليوم متنكرة لكل الخدمات التي قدمها لها، في إطار شراكة امتدت نحو ثلاث سنوات.
مؤتمر الداخل لا يشكل أي أهمية للحوثيين، وليس له وزن أو قيمة، فهم في حكم الأسرى والإقامة الجبرية ويأتمرون بأمر الحوثي، ولهذا دعا الحوثي أنصاره لأداء صلاة الشكر بمناسبة مقتل “الزعيم”، دون مراعاة لمشاعر أنصاره في الداخل وهم بمئات الآلاف!
هناك لغة واحدة للتفاهم مع الحوثي في قضايا المعتقلين، وهي لغة الدولار الأمريكي، وكل المؤشرات تشير إلى وجود صفقة حصل بموجها الحوثي على ملايين الدولارات مقابل الإفراج عن أولاد صالح.
ويبدو أن رسالة شكر أحمد علي مجرد تحصيل حاصل، أو ربما لجهود سابقة لم يكتب لها النجاح أو لوعود بالتوسط، وقد تكون للتغطية على الصفقة الحقيقية، ولو أن جماعة الحوثي أفرجت عنهم بدون مقابل لشكرها أحمد علي في نهاية الرسالة لتعاونها على الأقل، لكنه لم يذكرها إطلاقًا في رسالته المنشورة.
الحوثي لا يبيع إلا نقدًا وبأثمان باهظة، وهذا السلوك ليس غريبًا على جماعة متشددة كجماعة الحوثي، وكذلك تفعل جماعات تابعة لتنظيم القاعدة وداعش باختطاف مدنيين والمطالبة بفدية مقابل الإفراج عنهم كطريقة ناجعة للحصول على التمويل، والأيام القادمة كفيلة بإظهار كل الحقائق.