حدث ذلك في الثمانينيات كما يروي من عايشوا ذلك الخطاب المقتضب جدًا الذي يحوي آمال الحلم السبتمبري والشتيمة لمن يعيقه.
الجمهورية أعظم الأحلام المنجزة على الإطلاق.. سبتمبر هو الكابوس المزعج للإمامة وورثتها.. هو الذكرى التي سيتكرر فيها الحديث عن أبغض حقبة شهدتها اليمن، هو الشهر الذي ستتكرر فيها الأحاديث الرسمية وإطلاق الوعود.
في سبتمبر، تتذكر الحديث الرسمي لأحد المشائخ المتحمسين، الخطاب الذي لم يعرض أبدًا على شاشة التلفاز رغم حضور الكاميرا وقتئذ.
حدث ذلك في الثمانينيات كما يروي من عايشوا ذلك الخطاب المقتضب جدًا الذي يحوي آمال الحلم السبتمبري والشتيمة لمن يعيقه.
الرواية كما سمعتها، أن المشائخ كانوا يقومون بعرض بمناسبة 26 سبتمبر داخل مدينة تعز، وكان يؤدي كلمة المشائخ كل سنة شيخ بالتناوب، في سنة ما، جاء الدور على شخص بالقرب منا، هذا الشخص مشهور بالشتائم، إن لم يجد ما يشتمه يسب أقدامه، وتم إرسال الخطاب له قبل أيام من العرض، تهجّاه بمشقة، تتأتأ بالكلمات، استعان بفقي المعلامة، شيئًا فشيئًا تمكن من قراءة المكتوب، في يوم العرض جاء الوقت الذي عليه أن يلقي الخطاب، كان الناس منتظرين بتلهف لكلمة صاحبنا، للرجل الذي لا فرق بينه وبين رعاياه، وربما يكون أسوأ منهم.
شيء ما حدث في سبتمبر في منتصف الثمانينيات، لم يكن الخطاب في جيب الجبة.
الأصوات القادمة من مكبرات الصوت: نحنحة، همسات لثنيات الملابس وأعطافها والرجل يتحسس مكان الورقة، صوت خفيض لشتائم يرسلها الرجل لزوجته، لحظِّه، وللكهنوت، عندما يئس من ايجاده قال أقصر خطبة في تاريخ الخطب الرسمية، قال جملة واحدة إذا استثنينا التحية الختامية:
“عجلة الجمهورية تتقدم، وإيـ.. بمه ما شعرقله، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
إضافة “تعالى” إلى التحية كان تقدمًا أحرزه الرجل في الخطاب، ولقد تعلمها من التصاقه الشديد بالمذياع. كان ذلك خطابًا مؤثرًا، ألقاه الرجل بجدية، ولقد استطلعت بعض كبار السن الذين حضروا المهرجان، أكدوا أن الرجل كان جادًا ودم الصدق يكاد ينفجر من وجهه، كان متحمسًا للجمهورية باعتبارها المنجز العظيم التي ستأتي بالمشاريع، الرجل نفسه كان يحلم بسد يضاهي سد مأرب في منطقته الصغيرة لكنه حين مات كان بئر قريته الوحيد ناضبًا.
ضحك المشائخ من وضع صاحبهم حين سمعوا تمتماته وهو يبحث عن ورقة الخطاب، المشائخ يكرهون بعضهم بالتأكيد، لم يعرفوا أن ذلك آخر مهرجان رسمي مخصص لهم للاحتفال بالجمهورية، قد يكون السبب هو الخطاب المقتضب:
“عجلة الجمهورية تتقدم.. و..ري بمه ما شعرقله، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
تصفيق طويل وسط إبداء الإعجاب من ارتجال الرجل..
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.