تزامناً مع العودة للمدارس.. طلاب يمنيون يحلمون بترميم ما دمرته الحرب
الكثير من الطلاب اليمنين حضروا هذا العام بدون ارتداء الزي المدرسي يمن مونيتور/ (أ ف ب ):
في الباحة الرئيسية لمدرسة “الوحدة” قرب ميدان التحرير وسط صنعاء، يتجمّع الطلاب صباحا لأداء النشيد الوطني، تحيط بهم نوافذ محطّمة الزجاج على جدران مبنى تراثي تعرّض لأضرار جزئية.
وما أن يدقّ الجرس معلنا انطلاق اليوم الدراسي، يهرول الطلاب الذين ارتدوا زيا زيتي اللون يشبه الملابس العسكرية، إلى صفوفهم المزدحمة: اثنان على مقعد واحد، ثلاثة، وحتى أربعة.
وعاد طلاب في اليمن هذا الأسبوع الى المدارس التي استطاعت فتح أبوابها، لكن مئات آلاف آخرين بقوا خارج أسوارها بسبب الحرب، بينما يهدّد الانهيار الاقتصادي الناجم عن الحرب بحرمان ملايين من التعليم.
مختار يحيى (15 عاما) حضر بدون ارتداء الزي الموحد، لكنه يشاطر باقي الطلاب الأمل في أن يمضي العام الدراسي الجديد بسلام.
وقال مختار لوكالة (فرانس برس) بين نحو 70 من زملائه في قاعة الدراسة الصغيرة “أتمنى ان تنتهي الحرب كي ندرس ونجتهد ونكمل دراستنا وأن نصبح أطباء ومهندسين وطيارين”.
وأضاف “إن شاء الله نكون في أحسن حال ونكمل مستقبلنا”.
ويشهد البلد الفقير منذ 2014 نزاعا داميا على السلطة بين قوات حكومة معترف بها دوليا ومدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران يسيطرون على العاصمة ومناطق اخرى.
وبدأ التحالف عملياته في اليمن في آذار/مارس 2015 لوقف تقدم الحوثيين. وقتل منذ أول ضربات التحالف نحو عشرة آلاف شخص بينهم أكثر من 2200 طفل بحسب الامم المتحدة.
– أوقفوا الحرب –
وتسبّب النزاع بتدمير الاقتصاد، وانهيار القطاع الصحي، وعجز القطاع التربوي عن إبقاء الطلاب في مدارسهم.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في أيلول/سبتمبر الحالي ان 2500 مدرسة من بين نحو 16 الفا هي خارج إطار الخدمة حاليا، 66 بالمئة منها تضرّرت بسبب أعمال العنف، و27 بالمئة أغلقت أبوابها كليا، بينما تستخدم 7 بالمئة ملاجئ لنازحين أو معسكرات لأطراف النزاع.
وحرم توقّف هذه المدارس عن التعليم 1,84 مليون طفل من الدراسة لينضموا الى نحو 1,6 مليون طفل آخر لا يرتادون المدرسة منذ فترة ما قبل النزاع (بحسب أرقام 2017). ويبلغ عدد سكان اليمن أكثر من 27 مليون نسمة، نصفهم دون سن ال18.
وإلى جانب هؤلاء، حذّرت “يونيسف” الشهر الحالي من أن أربعة ملايين طالب آخر يواجهون خطر الحرمان من التعليم، خصوصا في المحافظات الشمالية الخاضعة في غالبيتها لسيطرة الحوثيين، بسبب عدم تلقي 67 بالمئة من الأستاذة رواتبهم منذ عامين.
وقال طه عقبه (14 عاما) في مدرسة “الوحدة” إن لديه “رسالة للعالم” في بداية العام الدراسي “بأن يوقف الحرب والقصف علينا ونحن في طريقنا إلى المدرسة، لنكون جيلا لمستقبل زاهر”.
وفي 9 آب/أغسطس الماضي، قتل وفقاً للجنة الدولية للصليب الاحمر أكثر من 50 شخصا في ضربة جوية في صعدة شمال صنعاء، بينهم 40 طفلا كانوا في حافلة مدرسية.
وبعد نحو أسبوعين أعلن مسؤولون في الأمم المتحدة أنّ ما لا يقل عن 26 طفلاً و4 نساء قتلوا في غارتين غرب اليمن.
مباني عالية
على مقربة من مدرسة “الوحدة”، ينكبّ علاء ياسر (15 عاما) على تصليح سيارة في مركز لتصليح الآليات، وهو عمل يمارسه منذ عام حين نزح مع عائلته من مدينته تعز في جنوب غرب اليمن هربا من المعارك.
ويقول علاء وإلى جانبه والده الذي يعمل هو أيضا في المركز ذاته “نزحنا من تعز إلى صنعاء بسبب الحرب، والآن أوقفت الدراسة لأني أعمل مع أبي حتى أوفر لقمة العيش”.
أما محمد هشام السقا (12 عاما) فتوقف هو أيضا عن الدراسة قبل ثلاث سنوات بعد وفاة والده وفي ظل عجزه والدته عن تأمين تكاليف تعليمه.
ويوضح هشام “أتمنى أن أذهب الى المدرسة لكن منذ عام 2015 لا أستطيع ذلك لأن أبي متوفى وأمي غير قادرة على توفير الأقساط والأقلام والدفاتر وحتى الزي المدرسي لي ولإخوتي”.
وتشير “يونيسف” إلى أن 70 بالمئة من الأطفال في اليمن يعيشون مع أسرهم تحت خط الفقر، وأن أكثر من نصف 2,9 مليون نازح هم من الأطفال، في وقت يتم تزويج 72 بالمئة من الفتيات قبل أن يبلغن سن ال18.
كما تقول المنظمة ان أكثر من 2630 طفلا جرى تجنيدهم من قبل القوات المتنازعة.
وفي مدرسة “سماء عدن” في المدينة الجنوبية التي تعتبر عاصمة مؤقتة للسلطة المعترف بها دوليا، بدت قاعات الدراسة في أول أسبوع من العام الجديد أقل ازدحاما من مثيلاتها في “الوحدة” في صنعاء، وجدرانها أكثر بريقا: ألوان، زهور، ورسوم لناطحات سحاب تشبه تلك التي تضمها مدينة دبي في الامارات.
حمزة صابر سعيد (12 عاما) وهشام معاد (12 عاما) زميلان في صف واحد، ويرتديان القميص الأزرق نفسه، لكن لكل منهما أحلام مختلفة عن الآخر: حمزة يريد أن يعيد بناء ما دمّرته الحرب، وهشام يتطلّع لأن يدافع عن حقوق من ظلموا.
وقال حمزة والعرق يتصبب من جبينه بعدما كان يشارك في حصّة رياضية “طموحي أن أواصل الدراسة (…) حتى أحصل على شهادة جيدة ومستقبل رائع وأكون مهندسا معماريا وأبني مباني عالية”.
وأوضح من جهته هشام “أريد ان أكون محامياً في المستقبل (…) واخترت أن أكون محاميا لكي أدافع عن حقوق الناس وأخدم الوطن”.