من يقتل أئمة المساجد في عدن اليمنية؟.. واشنطن بوست تجيب
عمليات القتل الغامضة ترسل الخوف للمساجد
يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة:
بينما كان “صفوان الشرجبي” يسير على طريق مزدحم هذا الربيع بعد عودته من شراء الدواء لأمه، مرت بجواره سيارة تويتا نوع كورولا بيضاء أطلق منها أربعة رصاصات، سقط “صفوان” وهو إمام مسجد على الأرض وتجمع الدم أسفل ظهره.
لم يكن الشرجبي -كما تقول واشنطن بوست الأمريكيَّة – آخر إمام مسجد وداعية يموت وليس أولهم لكنها سلسلة طويلة من جرائم القتل التي لم تحل. وقتل ما يصل إلى 27 إماماً في العامين الماضيين في عدن والمناطق المجاورة لها.
قال محمد عبد الله، صاحب الصيدلية البالغ من العمر 32 عاماً ، والذي شاهد السيارة وهي تسرع بالفرار: “عرف معظم الناس في الحي صفوان واستمعوا إلى خطبه، كان مؤثرا وهذا هو سبب قتله “.
لكن من قتله لا يزال لغزا، على الرغم من تكهنات تنتشر. لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن أي من الاغتيالات، ولم يتم اعتقال أي من الجناة.
ازدادت وتيرة الاعتداءات بحدة منذ أكتوبر / تشرين الأول2017 مع مقتل 15 من أئمة المساجد، من بينهم اثنان في الشهر الماضي، بحسب مسؤولين يمنيين. وتعرضوا جميعا للهجوم في حوادث إطلاق النار على سياراتهم أو قتلوا بالقرب من مساجدهم. وقد فر عشرات من رجال الدين الآخرين من المدينة ، ومع ذلك يعد آخرون ساعات وأيامهم الأخيرة للبقاء على قيد الحياة.
في هذه المدينة اليمنية الجنوبية الفوضوية، حيث تعمل الحكومة المحلية بالكاد، يحكم المسلحون المتنافسون الشوارع، وقد ملأ رجال الدين فراغ القيادة. باعتبارهم قادة مجتمعيين بارزين، يبعدون الناس عن تأثير الميليشيات الطموحة والقاعدة والدولة الإسلامية. وهذا ما جعل من رجال الدين أهدافًا.
وقالت ليلى الشبيبي، وهي ناشطة يمنية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية: “مع كل عملية قتل، يتم إضعاف المجتمع، كان رجال الدين قادة فعالين في مجتمعاتهم. قاموا بحل النزاعات وقدموا النصيحة. كانوا معلمين ومتحدثين في مجتمعاتهم”.
وتقول الصحيفة الأمريكيَّة إن عمليات القتل هذه تبدو مرتبطة بصراع على النفوذ في عدن بين السعودية والإمارات على الرغم من أن الدولتين تواجهان الحوثيين، الذين أطاحوا بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. لكن السعوديين والإماراتيين لديهم رؤى مختلفة لمستقبل اليمن.
كان العديد من رجال الدين الذين تم اغتيالهم، بما في ذلك الشرجبي، أعضاء في حزب سياسي إسلامي ذي نفوذ، معروف باسم الإصلاح. ينظر السعوديون إلى ذلك على أنه حليف حيوي لإعادة بناء اليمن. ومع ذلك، فإن الإماراتيين يعتبرون أعضاء الإصلاح خطرين متطرفين مرتبطين بالإخوان المسلمين، التي تنظر إليها بعض القوى الإقليمية كمجموعة متطرفة.
حملة مدروسة
كما أن بعض رجال الدين المقتولين يدعون إلى إبقاء اليمن موحداً، في حين أن مجموعة قوية من الميليشيات الموالية للإمارات تفضل الانفصال للجزء الجنوبي من البلاد.
قال بيتر ساليسبري، وهو محلل متخصص في شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية: “هذه حملة مدروسة ومدروسة بعناية، الأشخاص المستهدفين هم خارج التيار الرئيسي الجديد في الجنوب الذي يؤيد الانفصال.”
لعقود من الزمن، تعود إلى الفترة التي كانت فيها عدن مستعمرة بريطانية، كانت الاغتيالات وسيلة لكسب النفوذ في جنوب اليمن.
في هذه المدينة المترامية الأطراف التي انهارت فيها أجهزة إنفاذ القانون والنظام القضائي، أصبحت عمليات القتل السياسي في حالة من الإفراط. قام كل من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية بتنظيم العديد من التفجيرات الانتحارية التي استهدفت مسؤولين حكوميين وجنودا ومدنيين. يتجول الرجال والصبيان الذين يمسكون بالبنادق في شاحنات صغيرة، ولا يُعرف ولاءهم.
عمليات الاغتيال منتشرة إلى درجة أن جماعات حقوق الإنسان تعقد مؤتمرات حول كيفية التعامل مع التهديدات. وتبرز الملصقات واللوحات الإعلانية التذكارية للضحايا في جميع أنخاء عدن.
كانت المدينة في حالة اضطراب منذ عام 2015 ، عندما طردت قوات التحالف بقيادة السعودية ورجال القبائل الجنوبيين المتمردين الحوثيين.
إسمياً في الجنوب فإن الحكومة الآن تحت قيادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لكن الشوارع يحكمها خليط من الميليشيات المؤيدة للانفصال تسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” (STC) ومموله الرئيسي الإمارات العربية المتحدة. لطالما اشتبه الانفصاليون بحكومة هادي المؤيدة للوحدة، واتهموها بالفساد وقمع الجنوب. يزعمون أن حزب الإصلاح، الذي يؤيد أيضا اليمن الموحد، يؤثر على هادي ويسيطر على حكومته.
في يناير/كانون الثاني 2018، حاول الانفصاليون الاستيلاء على القصر الرئاسي حيث تتواجد حكومة هادي، مما أرغم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على إرسال مبعوثين للتوسط لوقف إطلاق النار.
وقال مسؤول أمريكي رفيع إن بعض عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي من المحتمل أن تكون وراء مقتل رجال الدين. وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية “الإصلاح يواجه بالفعل ضغوطا شديدة في عدن وأماكن أخرى سواء من الناحية السياسية أو الأمنية.”
لكن الجنرال شلال علي شايع رئيس أمن عدن والقيادي البارز في المجلس الانتقالي الجنوبي نفى التكهنات بأن قواته وراء عمليات القتل. وألقى باللوم على المتطرفين الإسلاميين.
“أفضل الشهداء”
في حفل تذكاري يوم 12 أيار / مايو، أي بعد يومين من اغتيال الشرجبي، وصفه الأقارب والأصدقاء بأنه ودود ومحبوب، وهو واعظ لا يوجد لديه أعداء بارزون. في إحدى اللافتات التذكارية، ارتدى الشرجبي قميص وردي ، ونظارات شمسية، يبدو وكأنه نجم سينمائي أكثر من إمام مسجد ورجل دين.
مثله مثل غيره من رجال الدين، لعب الشرجبي دوراً هاماً في المجتمع القبلي اليمني. قدم محاضرات دينية من القرآن والأخلاق، وتوسط في الصفقات بين الجيران الغاضبين وحل الخلافات التجارية. وقدم المشورة للشباب المشوشين وقام بدور الخطاب لتوحيد الأزواج والعائلات في إطار الزواج.
انضم إلى رجال دين آخرين في حشد المقاومة ضد المتمردين، وجمع المال والغذاء للمقاتلين المناهضين للحوثي.
في خطبه وعلى صفحته على فيسبوك لم يبتعد الشرجبي عن التعبير عن وجهة نظرة ضد حكام عدن، بحسب زملائه وأصدقائه. وحث الشباب على الابتعاد عن الميليشيات الموالية للانفصالية وندد بالتطرف. في بعض مشاركاته الأخيرة على موقع فيسبوك، قام بشجب السلطات التي “تسببت في معاناتنا” وكتب أن “أفضل الشهداء هو الذي يقول ما هو الصالح شعب مضطهد ويقتل من أجل ذلك”.
وقال وائل فارع، رجل دين آخر في الإصلاح: “كان صفوان يدعو دائماً إلى الوحدة، كما فعل جميع رجال الدين المعتدلين الآخرين الذين قُتلوا”. مضيفاً “لم ير أي شيء جيد سيأتي من الانفصال”.
كان أقرب المقربين من الشرجبي يخاف من مناقشة مقتله، لكن آخرين كانوا صريحين في اللوم.
وقال أشرف علي محمد، الصحفي المحلي، في إشارة إلى الإمارات والميليشيات الانفصالية: “لقد تمت هذه الاغتيالات لخدمة بعض الأطراف، من الخارج والداخل، لقد هددت هذه الأطراف بطرد الإصلاح من المجتمع”.
خرج عمرو الشجربي وطلب منه التوقف عن الكلام، مضيفاً: “نحن لا نريد المزيد من المشاكل، علينا اتخاذ الاحتياطات”
في عدن كان للاغتيالات أثر مروع على المساجد. البعض قد أغلق لقد أغلقت بعض المساجد. فيما توقف بعض رجال الدين عن ترؤس صلاة الفجر، في وقت توفر الظلمة غطاء للقتلة. ويدور آخرون حول مواعيد الصلاة اليومية لتجنب الأنماط المتوقعة. الحراس الشخصيون شائعون الآن.
في مسجد هائل سعيد، لا يوجد إمام للمسجد لقد فرَّ علي أحمد محفوظ الخطيب من عدن في وقت سابق من هذا العام بعد اغتيال اثنين من رجال الدين في المساجد القريبة. كما اكتشف أنه كان اسمه على قائمة الأهداف المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما قال في مقابلة هاتفية من موقع لا يريد الكشف عنه.
وقال الخطيب “لم تفعل قوات الأمن والسلطات المسؤولة عن التحقيقات أي شيء لحماية رجال الدين أو التحقيق مع من يقفون وراء عمليات القتل هذه”.
وقال إنه يعرف ما لا يقل عن 20 من رجال الدين الذين فروا من عدن، مشيراً إلى أن تقارير وسائل الإعلام المحلية تشير إلى أن الرقم يصل إلى 120. ورفض إلقاء اللوم على الجاني.
وقال: “طالما أن الحرب مستمرة، فمن الطبيعي أن تستمر هذه الأعمال”.
هذا ما يخشاه أتباعه الآن، حيث يتناوب المصلون على تقديم مواعظ في مسجد هايل سعيد، وهو مبنى ذي مآذن طويلة. لا أحد أراد أن يعطي أسماء أئمة هذا المسجد: “علينا اتخاذ الاحتياطات اللازمة”، قال أحد الرجال بعد صلاة الفجر “الأمور ليست طبيعية.”
خارج مسجد آخر في عدن يعلق صورة على طول الجدار لإئمامه الراحل ، شوقي الكمادي، وهو قام قام بتدريب كل منالشرجبي وزميله فارع. قبل ثلاثة أشهر من اغتيال الشرعبي، قُتل الكمادي، حيث قام رجلان على دراجة نارية باغتياله أثناء اقترابه من مدرسة لتدريس مقرر قرآني.
الآن، صعد فارع ليحل محل الكمادي في مسجد الثوار ذي اللونين الأخضر والأحمر. وهو أيضاً مؤيد للوحدة وهو ينتقد علناً الإمارات العربية المتحدة ووكلائها.
ويقول فارع إنه يتوقع أن يموت كذلك. لكنه يضيف أنه قام بالفعل بتدريب 10 آخرين من أئمة المساجد.
قال فارع: “إذا حدث شيء ما، فسوف يكون هناك آخرون سيهتمون بعدن”.
المصدر الرئيس
Who is killing Yemen’s clerics? Mystery murders are sending a chill through the mosques