ولهذا لن يكون من العجب العجاب أن تكون المكتبة الشخصية -بعد عقدين مثالاً- مخزونة في جهاز بحجم الكف، فيما العجب الحقيقي أن يجد المرء حينها مكتبة تحتل غرفة من المنزل. وحينها سنشهد عالماً بلا قراطيس!
أجرى برنامج ثقافي في قناة أوروبية استطلاعاً في أوساط بعض المثقفين العرب، أرتكز على سؤال رئيس يقول:
– كيف تنظر إلى مستقبل الكتاب الورقي في ظل سطوة ثقافة الكمبيوتر والانترنت، ثم انتشار الكتاب الاليكتروني؟
والسؤال ليس بجديد، ولكنه يتجدد بين الحين والآخر.
لا شكّ في أن الخدمات التقنية المتسارعة وسهلة الاستخدام في مضمار المعلومات، وكذا الاتساع الهائل لنطاق نفوذ الأنترنت والاعلام الفضائي، من شأنها أن تؤثر بقدرٍ ما في طبيعة العلاقة التقليدية العريقة العريقة بين الكتاب والقارىء، غير أنها لن تستطيع برأيي أن توقف العملية المستمرة لصناعة وتسويق واقتناء الكتاب في أمدٍ طويل.
حقاً أن كثيراً من القراء اليوم راحوا يتعاطون القراءة من خلال الشاشات وليس القراطيس. ويعود السرّ في تنامي هذه الظاهرة إلى عدة أسباب لعلّ أبرزها: القدرة على شراء أو تحميل أيّ قدر من الكتب بسهولة وسرعة شديدتين.. وإمكانية التخزين الهائلة لمكتبة كبيرة اليكترونياً من دون أن تشغل حيزاً مكانياً مزعجاً كالذي تتسبّب به المكتبة الورقية.. عدا أن أسعار الكتب الاليكترونية أرخص من نظيرتها الورقية.
وبرغم ذلك تظل حالة المودّة والألفة معدومة لدى قطاع واسع من القراء تجاه الكتاب الاليكتروني. وثمة ضوء الشاشة المزعج في معظم الحالات. ثم ثمة الحاجة الماسّة إلى تقنية متطورة ومريحة للقراء. عدا أن الأجهزة المخصصة للقراءة الاليكترونية غير متوافرة على نطاق واسع وبأسعار مناسبة للغالبية وهي ذات امكانية مالية محدودة.
إن قارئاً من النمط الكلاسيكي -مثلي- ستظل علاقته حميمة بالكتاب الورقي، ومكانة الحبر أثيرة في قلبه، وشكل المكتبة التي تشغل جزءاً غير محدود من البيت بالغ الأثر في وجدانه. لكن منطق العصر -وهو منطق اليكتروني- يفرض قواعده وقوانينه.
فمكتبة ابنك أو حفيدك (إذا صاروا قراء أصلاً) لن تكون قرطاسية كمكتبتك بالضرورة. وهذه مسألة ربما تدركها منذ الآن. لكنك ربما لا تدرك محتواها على نحوٍ من الدقة. فإذا كانت مكتبتك تضم باقات من كل فنون المعرفة وعلومها وآدابها، من الفلسفة والتاريخ إلى السياسة والأدب، فإن مكتبة ابنك أو حفيدك ستكون أكثر تخصصية وبما يتناسب واهتمامات المستقبل وضروراته، حيث الظلال للنص الأدبي والخيال الشاعري، فيما الضوء للموضوع التقني والخيال العلمي.
ولهذا لن يكون من العجب العجاب أن تكون المكتبة الشخصية -بعد عقدين مثالاً- مخزونة في جهاز بحجم الكف، فيما العجب الحقيقي أن يجد المرء حينها مكتبة تحتل غرفة من المنزل. وحينها سنشهد عالماً بلا قراطيس!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.