الإكراه: إجبار لحمل الغير على الفعل من غير رضى، سواء جاء بقوة الترغيب أو بقوة الترهيب، ويكون أثره في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات المادية، دون الأمور القلبية، لذلك شدد القرآن على أنه﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾. باعتبار أن الدين سلسلة من المعارف العلمية التي تُكوِّن لدى الإنسان إيماناً وعقيدة، يجب أن تأتي عبر الإقناع وليس الإكراه الإكراه: إجبار لحمل الغير على الفعل من غير رضى، سواء جاء بقوة الترغيب أو بقوة الترهيب، ويكون أثره في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات المادية، دون الأمور القلبية، لذلك شدد القرآن على أنه﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾. باعتبار أن الدين سلسلة من المعارف العلمية التي تُكوِّن لدى الإنسان إيماناً وعقيدة، يجب أن تأتي عبر الإقناع وليس الإكراه، فالنهي إذاً عن الإكراه في الدين ليس مجرد حكم تشريعي فحسب، بل هو تقرير لحالة تكوينية في خُلق الإنسان، إضافة إلى أن الإكراه لا يوفر إيماناً، ولا يصنع عقيدة، ولكنه يخلق بيئة للنفاق ويسهل اختراق المجتمع والتربص به، في حين أن المطلوب: انقياد للدين القيّم تحت تأثير الرغبة فيه، والوعي الكامل بمقاصده وأهدافه، والرضاء التام بتعاليمه وتشريعاته، أما دفع الناس بالإكراه – ولو إلى الحق – فأمر لا يريده الله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وهذا ما يجعلنا نشك في بعض الأقوال والمواقف المنسوبة إلى النبي صلوات الله عليه والتي توحي بالسعي لإكراه الناس على اتباع الدين، وتخويفهم بالقتال إن لم يستجيبوا، للدعوة ويؤمنوا بما جاء به.
عند ما نتتبع ما قص الله تعالى في القرآن من أخبار الأنبياء نجد أن وسيلتهم في دعوة التغيير مزجت بين: (الكلمة الطيبة، والقدوة الحسنة)، فكانت النتيجة إيماناً صادقاً ويقيناً راسخاً عزز فيه فعلُ القدوةِ قولَه؛ أما الخصومة والتحدي والقتال فلم يكن له حضور في مسيرة دعواتهم، إذ لم يواجهوا بالعنف أحداً لإكراهه على القبول بما يدعون إليه، تماشياً مع الأساس الذي قامت عليه رسالاتهم:﴿ فمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾. ومن قاتل منهم فلم يكن إلا لدفع ضُرٍّ لا لفرض فِكْرٍ.
وما تكرر في القرآن من ذكر «القتال في سبيل الله» فهو جزء من منظومة «الجهاد في سبيل الله»، والذي يعني بذل الجهد للوصول إلى الوضع الأمثل بالطريقة المثلى. وهو المصطلح الذي كثيراً ما يستغله فرقاء السياسة والمصالح ليجعلوا منه شعاراً يمكنهم من حشد البسطاء والدفع بهم تحت لوائه؛ لتصفية حسابات أنانية وتحقيق مطامع ذاتية، وفرض هيمنة وبسط نفوذ.
وعند التدقيق في الآيات القرآنية التي تتحدث عن القتال في سبيل الله نجد أنها بلغت قرابة عشرين آية، نزلت كلها في العهد المدني، ووردت إما في سياق القتال الدفاعي، وإما في سياق إزاحة الحواجز عن طريق تبليغ الدين لا في سبيل فرضه، وما عدى ذلك فمجرد إشادة بالمقاتلين في سبيل الله، وثناء على مواقفهم.
ونحن لا ننكر ما يحكى في تراثنا من أن بعض النافذين وأصحاب الأغراض والمصالح استخدموا القوة لبسط نفوذهم، أو الدفاع عن سياساتهم، واستنفروا بعض علماء الدين لشرعنة أفعالهم، مما خلط الأمر على البعض، فقدموا بعض النصوص على أنها دعوة لقتال المخالف في الدين لمجرد مخالفته، نتيجة جعلهم ممارسات أشخاص مبجلين تفسيراً للنصوص.
ولكي يقطع القرآن الطريق على نوازع الهوى ودوافع الطغيان، نهى عن قتال الخصم إن لم يقاتل، حتى وإن كان متربصاً يرغب في القتال ويتحيَّن الفرصة، ولم يقعده عنه إلا العجز، فقال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾. فقضى بأنه لا سبيل إلى قتال غير المقاتل، بدعوى أنه يُضمر الشّر، أو بمبرر أنه يراوغ فيحسن أن يتلقى ضربة استباقية.
وعلى العكس تماماً من يتظاهر بأنه يريد الأمن والأمان، لكنه لا يكف يده ولسانه عن العدوان، ويعمل بجد في حرب الإسلام، فلا بد من التصدي لهم حتى يصححوا موقفهم، وهو ما بينه الله بقوله: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾. فكان الموجب -في الآية الأولى -للكف عن قتال الفريق المناوئ أنهم اعتزلوا، فلم يقاتلوا وألقوا السلام، مضطرين لذلك فقط. بينما كان مبرر القتال ـ في الآية الثانية ـ أن الفريق المناوئ لم يعتزلوا ويلقوا السلام، ولم يكفوا أيديهم وألسنتهم، رغم ما يظهرون من الرغبة في توفر حالة الأمن والاستقرار.
فأين من هذا من يستهدف الأبرياء في مساكنهم أو يستولي على أموال مخالفيه ويستبيح حرماته لمجرد أنهم لا يوافقونه في رأي سياسي أو قراءة لحدث تاريخي.
*باحث وكاتب في الفكر الإسلامي