ذكرى أيلول الأسود .. عام من حكم الحوثيين لليمن
في مثل هذا اليوم، 21 سبتمبر/ أيلول، من العام الماضي، اجتاح مسلحو الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء، وبسطوا سيطرتهم عليها، دون مقاومة من الجيش والأمن آنذاك. يمن مونيتور/ خاص
في مثل هذا اليوم، 21 سبتمبر/ أيلول، من العام الماضي، اجتاح مسلحو الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء، وبسطوا سيطرتهم عليها، دون مقاومة من الجيش والأمن آنذاك.
وفي بضع ساعات، كانت السيارات المدججة بالرجال والسلاح تجوب الشوارع، وتنصب نقاط التفتيش وترفع أعلام الجماعة وشعاراتها (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).
كانت المعركة، إن جاز لنا أن نسميها معركة، سريعة وخاطفة، وكان الحوثيون على ثقة أن سقوط عمران، بما تمثله من ثقل عسكري وقبلي، يعني أن صنعاء باتت في قبضتهم فعلياً، لذا كان دخولهم إلى صنعاء عبارة عن تحصيل حاصل.
فرض الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق “علي عبدالله صالح” سلطة الأمر الواقع، وضيّقوا الخناق على الرئيس “عبدربه منصور هادي” ورئيس حكومة الكفاءات “خالد بحاح” والعديد من الوزراء، وسيطروا على المؤسسات الحيوية في البلاد، بينها القصر الجمهوري، القيادة العليا للقوات المسلحة، وزارة الدفاع، المالية، ومبنى التلفزيون الرسمي.
فرّ “هادي” وحكومته إلى عدن بعد أشهر من الإقامة الجبرية، لكن جحافل الحوثيين و”صالح” لم تكتفِ بالسيطرة على صنعاء، وبدت نشوة النصر بادية عليهم وهو يوزعون مسلحيهم مسنودين بآليات الحرس الجمهوري الذي كان يتزعمه نجل “صالح”، على مناطق عديدة وسط وجنوب وشرق البلاد.
أوقع فرار “هادي” إلى عدن الحوثيين وحلفاءهم في مأزق، إذْ كانوا يخططون بأن يبقوه تحت الإقامة الجبرية في منزله بصنعاء، ليتسنى لهم العمل تحت مظلته، وتمرير أكبر قدر من القرارات لصالح مقربين منهم في مواقع حساسة في الدولة.
لاحق الحوثيون الرئيس والحكومة إلى عدن، واستطاعوا الهيمنة على بعض أجزاء المدينة، ما اضطر الرئيس والحكومة إلى المغادرة خارج البلاد، وتحديداً إلى العاصمة السعودية الرياض.
مسيرة الموت
دشن الحوثيون حروبهم ضد اليمنيين منذ وقت مبكر، ففي سبتمبر/ أيلول 2013 بدأت أولى الحروب عندما تنكر حوثيون بزي عسكري وحالوا “اقتحام بلدة دماج” في صعدة شمالي اليمن، وبعد حروب استمرت شهور، جرى تهجير نحو 15 ألفاً من سكانها في يناير/ كانون الثاني 2014م، وعلى إثره تهاوت القلاع التي تقف في وجه الحوثيين، ورغم فتح الحوثيين العديد من الجبهات “القبلية” في “صعدة” معقلهم، شمالي البلاد، ومحافظة حجة المجاورة لها، إلا أنهم استطاعوا التقدم بفعل خرقهم لـ”اتفاقات” قامت بها الحكومة عبر لجان “وساطة” شكلها الرئيس “عبدربه منصور هادي” آنذاك.
ففي فبراير/ شباط من العام 2014م أذعنت قبيلة “حاشد” كبرى القبائل اليمنية للحوثيين، وحاصر المسلحون مدينة عمران وصمدت بفعل اللواء (310) الذي يقوده اللواء حميد القشيبي، الذي قاتل حتى سقوط المدينة واللواء في 9 يوليو/تموز 2014م. قال قادة عسكريون إن “خيانة من داخل الحكومة تسببت في سقوط “المعسكر” وقتل “القشيبي”.
تطورت الأحداث سريعاً عقب سقوط “عمران”، وبشكل مفاجئ ودون قتال، عدا محاولات إعاقة شمالي العاصمة، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول من نفس العام، وتحرك الحوثيون في أكتوبر/ تشرين الأول للسيطرة على مرفأ الحديدة على البحر الأحمر غرباً، وبدون قتال أخضعوه لسيطرتهم.
تقدم الحوثيون وبشكل سريع، وسيطروا على “إب”، وسط، و”الضالع”، “لحج”، جنوب، و”قاعدة العند العسكرية”، أكبر القواعد العسكرية في البلاد، وحثّوا الخطى صوب “عدن” كبرى مدن الجنوب ومينائها الحيوي، وسط إعاقة طفيفة في “الضالع” و “تعز”، كما سيطروا على “شقرة” في أبين، ومداخل “زنجبار” وشبوة،
وعندما كان الحوثيون وحلفاؤهم على بعد 30 كم من مخبأ الرئيس “هادي”، أعلن تحالف من عشر دول، بقيادة السعودية، بدء “عاصفة الحزم” في 26 مارس/ آذار، بطلب من “هادي” لإعادة الشرعية إلى البلاد، وبدأت سلسة غارات جوية في البلاد، أنهكت الحوثيين وحلفائهم.
وبدأت المقاومة الشعبية تستعيد أنفاسها، وأعلنت العديد من المحافظات القيام بمواجهة الحوثيين، في عدن والضالع وتعز وشبوة، فيما استمرت المقاومة في “مأرب” شرقي البلاد المواجهة منذ محاولة الحوثيين السيطرة عليها عام 2013م. وأعلن “إقليم آزال” و “إقليم تهامة” شن هجمات نوعية على الحوثيين مستهدفة أماكنهم.
وحتى 21 سبتمبر/ أيلول الحالي جرى تحرير “عدن” و “الضالع” و “لحج” و “أبين” و “شبوة” عدا ثلاث مديريات، فيما يخسر الحوثيون مواقعهم في “مارب” و”تعز” ويواجهون مقاومة شرسة في “البيضاء” و”إب”.
وأطلق الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية مع قوات التحالف العربي في الـ 13 سبتمبر/ أيلول الجاري عملية برية واسعة النطاق ضد الحوثيين والقوات الموالية لـ”صالح” في “مأرب”، بهدف استعادة بعض أجزاء من مديرياتها الغربية التي سيطر عليها الحوثيون، ومن ثم التحرك نحو صنعاء لتحريرها من قبضة الحوثيين.
وخلال عام كامل، سقط آلاف اليمنيين، مدنيين وعسكريين، جراء حروب الحوثيين العبثية، فيما راح الحوثيون يروجون لوجود “القاعدة” و”داعش” كمحاولة منهم لتسويق أنفسهم بأنهم جزء من الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد ما تسميه “الإرهاب”.
تدهور الأوضاع
كان أحد الشعارات التي رفعها الحوثيون إبان توجههم إلى عمران فصنعاء، هو القضاء على الفساد واسقاط الجرعة السعرية التي قررتها حكومة الوفاق في أسعار المشتقات النفطية، لكن الأوضاع ما لبثت أن تحولت إلى كارثية، بكل ما تعني الكلمة من معنى.
فمنذ سبتمبر، أيلول 2014م انقطع عن العاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية التيار الكهربائي نتيجة تضرر خطوط نقله في مناطق “الجدعان” بمأرب، حيث يخوض الحوثيون حرباً هناك محاولين السيطرة على المنطقة النفطية ذات البعد الاقتصادي الهام.
نزح السكان إلى القرى نتيجة سوء الخدمات فيها، فبانقطاع الكهرباء انعدمت المياه وتعطلت أعمال الناس، كما أن العديد من الشركات ورؤوس الأموال غادرت البلاد، مخلفين آلاف ممن فقدوا وظائفهم، وباتوا يواجهون، وأسرهم، مصيراً مجهولاً.
وتفيد تقارير ميدانية بأن حركة التجارة الداخلية تواجه كساداً بنسبة تتجاوز 60% على الأقل منذ اندلاع الاحتجاجات، ما رفع أسعار السلع الرئيسة، إضافة إلى تعثر تصدير النفط الخام نتيجة الأوضاع الأمنية الحرجة التي تمر بها البلاد، وهو ما يضع مالية الدولة على عتبة الإفلاس.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد 350 صحفياً وظائفهم في اليمن جراء وقف ومصادرة واجتياح عدد من المواقع والصحف والقنوات والإذاعات في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق “علي عبد الله صالح”. حسب تقرير أصدره مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (غير حكومي)، مطلع أغسطس الماضي.
انتهاكات الحقوق والحريات
في حين رفعت جماعة الحوثي شعارات بمطالب حقوقية خلال التظاهرات التي سبقت السيطرة على صنعاء، إلا أن الحوثيين ارتكبوا بعد سيطرتهم على العاصمة مئات الانتهاكات لحقوق الإنسان، جاء على رأسها القتل والاختطاف ومصادرة الأموال والمقرات الحزبية ومقرات منظمات المجتمع المدني.
وجاء اقتحام مقر التلفزيون اليمني ومقر جامعة الإيمان، ومعسكر الفرقة الأولى مدرع كأول انتهاكات يرتكبها الحوثيون تحت راية ثورتهم التي أعلنوا انها أتت ضد الفساد، ولتخليص اليمن من المسؤولين الفاسدين.
وتوالت بعد ذلك الانتهاكات بحق السياسيين والناشطين والصحفيين في اليمن، فأغلق الحوثيون مقرات صحف وقنوات تلفزيونية، وصادروا مكاتبها، وفي مقدمتها مكتب قناة “سهيل” الفضائية الذي احتله الحوثيون ما أدى لتوقف بث القناة.
وفيما يلي ملخص لأبرز الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي مارستها جماعة الحوثي خلال عام من سيطرتها على صنعاء:
• احتل مسلحو الحوثي عدداً من مقرات ومكاتب الصحف والقنوات الفضائية، وصادروا محتوياتها، بينها قناة سهيل الفضائية، وصحيفة المصدر، وقناة آزال، ومكتب مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وتوقف البث في قناة سهيل، قبل أن يخرج المسلحين من المكتب، وتعود القناة للبث، كما توقفت صحيفة المصدر اليومية بعد احتلال مقرها.
• منع الحوثيون المظاهرات السلمية التي تندد بتواجد مسلحي الجماعة في صنعاء، وقمعوا الكثير من تلك المسيرات والمظاهرات، واعتدوا على المشاركين فيها، ما أدى لتخوف الناس من حضور تلك الفعاليات وعدم حضورها.
• احتل الحوثيون مباني المؤسسات الحكومية، ومقرات منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وخصوصاً حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، الذي فجر الحوثيون عدداً كبيراً من مقراته في محافظة صنعاء وعمران ومدن أخرى.
• مارس الحوثيون الاختطاف بحق عدد كبير من معارضيهم السياسيين، والناشطين المناوئين للجماعة، وبعد انطلاق العمليات العسكرية للتحالف العربي وضع الحوثيين عدداً من المختطفين كدروع بشرية في المواقع التي يتم قصفها من قبل طيران التحالف، وقتل عدد منهم، أبرزهم القيادي في حزب “الإصلاح” بمحافظة “إب” “أمين الرجوي”، وبمعيته الصحفي “عبدالله قابل”، وزميله “يوسف العيزري”، حيث قتلوا جراء غارة لطيران التحالف على موقع “هران” العسكري بمحافظة “ذمار”.
• تشير إحصائيات غير رسمية إلى وجود أكثر من 5 آلاف مختطف لدى جماعة الحوثي، تخفيهم في سجونها المتنوعة، بين سجون رسمية، ومقرات الجماعة، ومواقع عسكرية، وتحرم هؤلاء المختطفين من أبسط حقوقهم، وتمنع عنهم زيارة أقاربهم، بل حتى ترفض الإدلاء بأي معلومات بشأنهم.
• رصدت منظمة “صحفيات بلا قيود” (غير حكومية)، 210 حالة انتهاك تعرض لها الصحفيين والإعلاميين خلال النصف الأول من العام الحالي بينها 8 حالات قتل، وتنوعت الحالات بين الاختطاف والضرب واقتحام المقرات، ومصادرة الأدوات الصحفية، وارتفع هذا الرقم في الأشهر الماضية نظراً لاستمرار جماعة الحوثي في ممارسة انتهاكاتها للحقوق والحريات الصحفية.
بروز المقاومة الشعبية
نتيجة سلوك الحوثيين تجاه المناطق التي يحتلونها، نشأت المقاومة الشعبية في أغلب مناطق اليمن، وهي خليط من مجندين قدامى ورجال قبائل، انضم إليهم طبقات عدة من المجتمع، لشعور الأخير بما يمثله الحوثيون من تهديد لوجودهم في حال تمكنوا من احكام قبضتهم.
امتدت المقاومة من البيضاء وتعز وإب وسط، إلى مارب شرقاً، وعدن والضالع وشبوة جنوباً، لتكون بذلك سداً منيعاً وصخرة في طريق تمدد الحوثيين إلى تلك المناطق، أو مقاومتهم في حال تمكنوا بمساندة بعض الوحدات المتمردة على الشرعية.
تخوض المقاومة الشعبية اليوم مسنودة بوحدات من الجيش الوطني تدربت حديثاً، وبإسناد جوي من قوات التحالف، حرباً شرسة في العديد من مناطق اليمن، وبفضلها تحررت عدن كأهم المدن التي سيطر عليها الحوثيون.
تدخل الإقليم
في السادس والعشرين من مارس 2014م أعلنت السعودية عن بدء عمليات عسكرية تحت مسمى “عاصفة الحزم، ضمن تحالف عربي تقوده ضد الحوثيين وحلفائهم، قالت إنه جاء بطلب من الرئيس هادي لاستعادة شرعيته ضد من يسميهم الانقلابيين الحوثيين.
أعلن التحالف العربي بعد مضي نحو شهر، عن توقف “عاصفة الحزم” وبدء عملية “إعادة الأمل” التي قال إن من أهدافها ضرب التحركات والإمدادات لميليشيا الحوثي، وحماية المدنيين، بحسب ناطق التحالف العميد “أحمد عسيري”.
ومنذ ذلك الحين، يواصل التحالف العربي عملياته العسكرية ضد الحوثيين والقوات الموالية لـ”صالح” آخرها كان التدخل البري الذي يُجهز له التحالف في محافظة مأرب شرقي البلاد، استعداداً لعملية تحرير صنعاء من قبضة الحوثي وحليفه الرئيس السابق “علي صالح”.
فيما يبذل المبعوث الأممي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، جهوداً كبيرة للتوصل إلى اتفاق سياسي عبر المفاوضات، يحشد الطرفان القوة العسكرية ما يجعل الحديث عن حل سلمي للأزمة في اليمن سابق لأوانه، على الأقل حتى الآن.