بالنسبة لي لو كنت أعاني من مرض وراثي ما، وكان سببه لقاح الجينات بين أبي وأمي، وهما على إدراك بخطورة ذلك، فإنني لن أسامحهما مطلقًا على هذه الخطيئة بحقي!
في صفحة منصور الجرادي على موقع فيس بوك وضع رجل يمني فقير لديه أربعة أطفال مصابين بالشلل الدماغي مناشدة للتكفل بحق الفحوصات الطبية التي بلغت 90 ألف ريال في المستشفى الألماني..
وقد علقت عليه شذى الخطيب وهي أديبة يمنية تعيش حاليًا في القاهرة، بقولها: معليش يتحمل ما كسبت يداه..
هل فعلًا أن الأب هو السبب في وصول أطفاله مشوهين وناقصين إلى الحياة وبهذه الأخطاء الفادحة؟
هذه الجملة قاسية جدًا، وقد تبدو في نظر الكثيرين جملة لا إنسانية، حيث من المفترض بها أن تتعاطف مع هذا الأب المنكوب والصابر والذي يعاني ألم الفقر والمرض وهو يرى أبناءه الأربعة تحت وطأة المرض المُزمن والمستقبل المؤلم، وبالنسبة لي لو كنت هذا الأب لأُصبت بالانهيار تمامًا، وأنا أرى أطفالي الأربعة بهذا العجز والتخبط، ولما كنت قادرًا على الصمود أكثر، لكن هذا الأب يملك قدرة كبيرة على الصمود في وجه الآلام وقد يبدو شخصية رئيسية لرواية تتحدث عن التجلد والقوة والتغلب على الصعاب والإرادة والتحمل.
بعد أن قرأت جملة شذى الخطيب “ليتحمل ما كسبت يداه” شعرت بالألم، وكيف أن الجهل يمكن أن يدمر حياة الجيل القادم كما دمر حياة الأجيال الماضية، ويضع حياة أناس كثيرين في مهب الريح، وعندما يكبر هؤلاء الأطفال لن يقول لهم أبوهم إنه كان سببًا رئيسيًا في مرضهم هذا، بل سيقول إنه القضاء والقدر، وهكذا سيتنصل الأب من كل أخطائه دفعة واحدة ويعيش مرتاح الضمير، لأن الجنة في انتظاره كنتيجة حتمية للصبر على هذا البلاء..
أنا لستُ ناقدًا لهذا الأب، فالجهل في الماضي كان له دور كبير في نشوء هذه الأخطاء الجينية.. وربما في الزمن الذي تزوج فيه الأب لم يكن هناك وعي كافٍ بأهمية الفحوصات الطبية قبل الزواج، وربما تزوج في قرية نائية ولم يسمع طوال حياته أن الزواج بحاجة إلى إجراء فحوصات طبية قبل الإقدام عليه، وقد فهمت من هذا الحوار أن الخطأ كان خطأ جينيًا ووراثيًا، ولست طبيبًا حتى أتحدث عن هذا الموضوع، لكن هناك مناشدة لكل إنسان يفكر في الارتباط بفتاة أو لكل فتاة تفكر بالارتباط برجل أن لا تُغفل مسألة الفحص الطبي، ومدى إمكانية إنجاب أطفال لا يعانون الأمراض من الناحية الطبية، وبعد كل تلك الفحوص إن أتى الطفل مصابًا بمرض مزمن، فليقل الوالدان: قضاء وقدر، وسيكون كذلك فعلًا، وعليهم أن يتحملوا آلامهم بصبر كما يتحمل هذا الأب العظيم..
وسواء أكان هذا المرض وراثيًا أم لا، فحديثي هنا سيكون عامًا عن كل الأمراض التي تنتقل للإنسان عن طريق الوراثة، وليست مخصصة لهذه القصة فقط، بل هذه القصة هي التي ربما دفعتني للكتابة في هذا الموضوع..
ومن زاوية الرؤية التي علقت عليها شذى الخطيب فإن هذا الأب تجاهل فكرة أن الطفل الأول أتى مصابًا بالشلل الدماغي وكذلك الطفل الثاني والثالث، وكل هذا لم يمنعه من المجازفة بإنجاب الطفل الرابع..
أرجوكم لا تجعلوا عواطفكم أو الحب يدمر مستقبل الإنسان القادم أو الطفل.. لا ترتبطوا بإنسان تحبونه إن كان في ذلك خطرًا على حياة أبنائكم الصحية.
بالنسبة لي لو كنت أعاني من مرض وراثي ما، وكان سببه لقاح الجينات بين أبي وأمي، وهما على إدراك بخطورة إنجاب طفل أو حتى على إدراك بأهمية الفحص الطبي لما قبل الزواج وتجاهلا ذلك عن عجز واتكالية كما يفعل الكثير من المسلمين الذين فهموا معنى القضاء والقدر بطريقة خاطئة، فإنني لن أسامحهما مطلقًا على هذه الخطيئة بحقي، والإتيان بي عاجزًا إلى حياة لا يمكن التغلب عليها إلا بالقوة والكفاح والوقوف الطويل وحيدًا، وربما دون أصدقاء أو أحباب أو أعداء…
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.