الشركاء الدوليون يتخلون عن الإمارات في مهمة الخلاص من ملف الاعتقالات بعدن (تحليل خاص)
منذ إعلان وزارة الداخلية اليمنية الذي حصرت به قبل ثلاثة أسابيع مسؤوليتها عن السجون المركزية في عدن، يمن مونيتور/ صنعاء/ من عبدالملك الطيب
منذ إعلان وزارة الداخلية اليمنية الذي حصرت به قبل ثلاثة أسابيع مسؤوليتها عن السجون المركزية في عدن، وحصرت به المسؤولية الزمنية بأنها من اليوم فصاعدا، توقفت عملية الإفراج عن المعتقلين في عدن.
حصرت الداخلية مسؤوليتها عن السجون المركزية فقط، بما يعني إعلان البراءة من السجون السرية، سواء التي تتهم الإمارات بإدارتها في مدينة “التواهي” بالعاصمة المؤقتة عدن، أو الأخرى التي يقال إنها نقلت إليها بعض المعتقلين في منطقة الشعيب بالضالع، وكذا التي يقال إنها على البواخر الراسية في البحر.
لم يحصل الإماراتيون على إعفاء في ملف المعتقلين بعدن والمحافظات الجنوبية، لتوقف الإمارات عملية الإفراج، بل وتلجأ للتلويح باستعادة المفرج عنهم واعتقال غيرهم وإعادة ملف المعتقلين إلى مربع الصفر.. حقيقة الأمر أن الإمارتيين عالقون الآن بين الخلاص من المعتقلين مع بقاء التهمة ضدهم، أو إعادة الملف إلى مربع الصفر ومواجهة التقارير الدولية التي تحاصرهم وتنذرهم بالأسوأ من مجرد التقارير، فضلا عن تصاعد السخط الشعبي اليمني ضدهم جراء أشياء كثيرة، في مقدمتها تلك الانتهاكات و”الجرائم ضد الإنسانية” حسب توصيف منظمة العفو الدولية، ويبدو أن ملف السجون والاعتقالات الذي كونته الإمارات في عدن والمكلا خلال ثلاث سنوات قد تحول هو نفسه إلى سجن وجدت الإمارات نفسها بداخله.
على امتداد ثلاث سنوات ظلت المنظمات الغربية ووسائل الإعلام الدولي ملتزمة الصمت المطبق إزاء هذه الانتهاكات. اتجهت الإمارات بجدية مع المملكة لتحرير مدينة الحديدة، ولم يكن بمقدورها مخالفة المملكة بهذا الخصوص، لذا كانت تطالب الأمريكان بالتدخل لمنحها مبرر التوقف الذي تقدمه بين يدي المملكة. بالفعل أصدرت الخارجية الأمريكية تحذيراتها للإمارات من الاستمرار في المعركة، وكان التحذير موجها إلى الإمارات بشكل خاص وليس إلى التحالف، ما يؤكد التنسيق الإماراتي الأمريكي بهذا الشأن، واحتياج الإمارات لهذا المبرر، واحتشد مع واشنطن الموقف الأوروبي، لتعلن الإمارات وقف الحرب.
أثناء سيرها في المعركة قبل صدور هذه المواقف الدولية، اتجهت المنظمات ووسائل الإعلام الغربية لإثارة قضية الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي تجري في سجون عدن كورقة ضغط على الإمارات، وبمجرد توقف المعركة في الحديدة توقفت التقارير الدولية الخاصة بهذا الملف، لكن الإمارات فهمت أن هذا التوقف مؤقت وأنه لا ضمانة من عدم تفعيل الملف مستقبلا.
الضوء الأخضر الأمريكي أغرى الإمارات بالعبث بحقوق الإنسان في عدن والمحافظات الجنوبية على امتداد ثلاث سنوات، واعتقدت الإمارات أن الولايات المتحدة معها وإلى جوارها وأنها بمثابة الشريك، وذلك يكفي ليمثل ضمانة بعدم استخدام الملف ضدها في يوم من الأيام، لتدرك مؤخرا أن تقديراتها كانت مخطئة، وأن هذا الملف سيظل قابلا للتفعيل في أي وقت.
أرادت التخلص من الملف وإحراقه، من خلال استغلال المصالحة المفروضة سعوديا مع الرئيس اليمني وحكومته والتصالح بشكل خاص مع وزير الداخلية، وارادت الاستفادة من هذه المصالحة بالخروج بعدة مكاسب، منها الإعفاء من ملف الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها، وبالفعل أصدر نائب وزير الداخلية تصريحا ينفي به أي وجود للسجون السرية، وينفي به علاقة الإمارات بقضية السجون والمعتقلات على امتداد كل الفترة الزمنية السابقة، وهو التصريح الذي أثار ردة فعل شعبية عنيفة عبرت عن نفسها من خلال الإعلام والتواصل، واحتجاج من قبل أهالي المعتقلين، وتوافق ذلك مع رفض قاطع من الرئيس والحكومة التي رأى رئيسها ووزير داخليته أن الحبل الذي يجري حله من عنق الإمارات سيلتف حول رقابهم، ليخرج نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية ببيان يعالج فيه خطأ نائبه بشكل جذري، ويحصر مسؤولية وزارته عن السجون المركزية دون السرية، ومن اليوم فصاعدا لا بما يشمل الفترة السابقة.
كما توقفت عملية الإفراج عن المعتقلين جراء هذا الإشكال، توقفت أيضا خطوات التصالح السياسي بين الإمارات وبين الرئيس وحكومته جراء ذات الأمر كواحد من الأسباب المباشرة فيما يبدو.
فوجئت الإمارات بتلك الضغوط الدولية، وبدا غريبا أن تعتقد أن الأطراف الدولية سيتركونها وهي الدولة النفطية وذات الحسابات والمصالح المتشابكة مع العالم، وسيتجهون بدلا عن ذلك للإمساك بأي من أولئك المتورطين معها من حلفائها المحليين، أو المستعدين لحمل الملف عنها في الجانب الحكومي.
يمثل المسؤولون المحليون في عدن من المتورطين بهذه الجرائم هدفا مهما في نظر الأطراف الغربية، وبالطبع ليس لأنهم مجرمون، بل لأنهم أدلة مهمة تثبت تورط دولة الإمارات الغنية وصاحبة الحسابات والمصالح المشتركة مع الإقليم والعالم.
ثقة الإمارات بشراكة واشنطن لها، وإلى حين انكشف لها أن هذه الثقة مؤقتة، وأن الملف تتراكم أوراقه أو تتعاضد حباله على رقبتها، لا يشبهها إلا ثقة المتورطين المحليين بالإمارات حين يعتقدون أن بمقدورهم النجاة من العقاب لمجرد أن الإمارات شريكهم وظهرهم الحامي.
العديد من المسؤولين المحليين من المتورطين بالاغتيالات وأشكال الانتهاك لحقوق الإنسان، تعرضوا للتصفية الجسدية، وبعضهم تمت تصفيته ذبحا.. إنها أدلة يجب إتلافها، وأوراق يجب إحراقها..!!
حسب اتهامات كثيرة، نجحت الإمارات في التخلص من كثير من الأشخاص غير المرغوب بهم، وقليل من الحلفاء، ويبدو أنها ما تزال بحاجة للتخلص من كثير آخرين، لكن حلفاءها ربما يشكلون الآن النسبة الأكبر من المستهدفين بعكس الفترة السابقة، فالملف إن كان قابلا للتلف لن ينتهي بالإفراج عن المعتقلين وتسليم السجون المركزية أو حتى السرية، بل لابد أيضا من تصفية كل الأدلة والخيوط ذات العلاقة.