يُراد لليمني أن يتحول إلى ضحية بلا غريم.. كل شلو من جسده المنهوك يطير إلى جهة، يترك ذكريات مستعجلة من الدم السيال الممتزجة بالبارود، ينهمك الضحايا في تحديد القاتل، ضربة خاطئة من طيران التحالف أم ضربة صائبة لمدفعية المليشيا؟
يُراد لليمني أن يتحول إلى ضحية بلا غريم.. كل شلو من جسده المنهوك يطير إلى جهة، يترك ذكريات مستعجلة من الدم السيال الممتزجة بالبارود، ينهمك الضحايا في تحديد القاتل، ضربة خاطئة من طيران التحالف أم ضربة صائبة لمدفعية المليشيا؟
نضيع في زحمة الجدال، يضيع الدم وننساه، حتى يأتي موعد الضربة التالية ليسقط ضحايا آخرون.
خمسون يمنيًا قتلوا، أكثر من خمسين مرة واحدة، قبل أيام، وهو العدد الذي من المفترض أن يشكل منعطفًا في الوضع اليمني كما حدث في مارس 2011، لكن ما حدث في “سوق السمك” يشي بحالتنا المأساوية، صرنا بلا قيمة، أعداد لم تتفق وسائل الإعلام على نقلها بدقة، لم يتحلحل الوضع ولم يلح في أفق الساحل حلًا ينقذنا من الغرق في الدم.
رحنا نتجادل عن “من القاتل”؟ ليبرئ كلٌ طرفه من إراقة الدم، ويستجدي كل لطرفه عطف المنظمات العالمية بالمأساة التي نعيشها وقساوة القتلة.
من قتل اليمنيين في سوق السمك؟
كانت الضربة كبيرة في الحديدة التي يستولي عليها الحوثيون، كان من الطبيعي أن تستغل المليشيا المجزرة البشعة وتعرضها عبر وسائلها، التحالف كان متهمًا، قابلية التصديق بالتهمة تساور الأغلبية لسبب بسيط: جرائم سابقة أودت بحياة يمنيين عن طريق ضربات خاطئة، على سبيل المثال: قصف التحالف صالة عزاء في صنعاء، قتل عشرات المعزين، نفى التحالف أنه قام بتلك الضربات، وبعد أسابيع اعترف بها.
في الحديدة، كان البحر يهتاج والمتسللون خلسة يتشبثون بحواف الزوارق ليعودوا بالسمك، التحالف كان قد منع الصيادين من الإبحار، فور الجريمة الشنيعة قلنا: منعوهم من الذهاب إلى البحر وقتلوهم في سوق السمك.
لم ينجح الحوثيون بالاستغلال الأمثل للجريمة، ظهرت مقاطع فيديو لقذائف هاون في مسرح الجريمة، ترجح أن الضربات بمدافع وليس بطائرات، ما يعني أن الحوثيين ارتكبوا الجريمة، بعد ذلك قال التحالف بأنه في ذلك اليوم “لم تتم أي عمليات للتحالف داخل الحديدة”.
كذا يمضي اليمني، يضيع في متاهة البحث عن غريم، ينسى أوجاعه بعد أيام في حمى المشادات الجانبية، لا جدية لاستعادة القيمة الإنسانية لليمنيين، الشرعية أوكلت مهامها للتحالف المضطرب واستراحت في قيلولة طويلة، والساسة المتفرقون تجمعهم الأفراح الفخمة في بلاد الغربة، المليشيا تضرب ضربات صحيحة والتحالف يصيب بضربات خاطئة، أما اليمني المعروف “في تلفته خوفٌ، وعيناه تاريخ من الرمد” كما وصفه البردوني فيردد:
“يا عم.. ما أرخص الإنسان في بلدي”..
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.