قال باكثير يوماً: “أنا على يقين بأن كتبي وأعمالي ستظهر في يوم من الأيام، وتأخذ مكانها اللائق بين الناس
كنت في القاهرة شتاء 2010، وفوجئت بفعالية تُقام احياءً للذكرى المئوية لميلاد الأديب اليمني الكبير علي أحمد باكثير. وقد تمنيت حينها لو احتضنت حضرموت هذه الفعالية، خصوصاً أن مدينة تريم الحضرمية أُعلنت عاصمة للثقافة الاسلامية للعام نفسه. غير أن “البيت واحد”، حسب وصف باكثير نفسه، في ما يتصل بمصر واليمن لديه.
كانت عصارة ابداع باكثير من نصيب مصر. وكانت أزهى فترات حياته وأعمق آثار بصماته في أرض الكنانة. فقد كان مصرياً قُحّاً في نظر كل المصريين، حتى أن صديقه الحميم الأديب الكبير نجيب محفوظ لم يعرف أن باكثير يمني وليس مصرياً كما كان يظنه، إلاَّ في فترة لاحقة من معرفته به. وهكذا حال عديد من الأدباء والمثقفين والقراء المصريين والعرب، برغم أن باكثير لم يحصل على الجنسية المصرية إلاَّ في سن الحادية والأربعين وبعد ثمانية أعوام من زواجه بسيدة مصرية.
قال باكثير يوماً: “أنا على يقين بأن كتبي وأعمالي ستظهر في يوم من الأيام، وتأخذ مكانها اللائق بين الناس. ولهذا لن أتوقف عن الكتابة يوماً، ولا يهمني أن يُنشر ما أكتب في حياتي”. والعبارة مثيرة للدهشة، فالنشر صاحب جميع أعمال باكثير منذ أن وطأت قدمه أرض مصر، بل أنه في الأشهر الأولى لاقامته في القاهرة قام بطبع مطوّلته “نظام البُردة” ومسرحيته الشعرية الأولى “همام، أو في بلاد الأحقاف”، اللتين كتبهما في الحجاز قبل انتقاله إلى مصر.
فقد لقيَ باكثير الكثير من الحفاوة والانتشار في مصر، على العكس من حظه القليل من الانتشار والتقدير في اليمن. وعلى الباحث أن يجول في مقررات ومناهج التعليم في مصر -حينها- ليعرف حجم المساحة والتأثير التي يحتلها أدب باكثير على تنوعه ووفرته، فقد كان باكثير كثيراً في انتاجه الشعري والسردي والمسرحي والنقدي والتاريخي، عدا العدد الوافر من المقالات والمحاضرات، وهذا كله مما ينوء بحمله كاهل المكتبة الأدبية العربية.
كان علي أحمد باكثير رائداً للشعر الحر في الأدب العربي، وقد ظهرت هذه الريادة في مسرحيته الشعرية “اخناتون ونفرتيتي” وأُعتبر رائداً للأدب الاسلامي وأيضاً للأوبرا العربية. ولو أنك سألت اليوم جيلاً بكامله عما يعرفه عن هذا الأديب الفذ، لجاءتك الاجابة مُخيّبة لكل الآمال. وقد اجتهدت شخصياً في هذا الموضوع، فكانت صدمتي كبيرة. كما سألت عدداً من الأصدقاء الأدباء في حضرموت عن مصير منزله في سيئون (المعروف بدار السلام) والذي سبق للرئيس السابق التوجيه بشرائه وترميمه ومنحه لفرع اتحاد الأدباء في سيئون، إلاَّ أنني سمعت إجابة لا تسُر البتة.
ولد علي أحمد باكثير في اقليم سورابايا الأندونيسي في 21 ديسمبر 1910، ومات في القاهرة في 10 نوفمبر 1969، وعاش مقيماً ومتنقلاً بين حضرموت (التي جاءها مع أبيه وأخوته وهو في العاشرة) وعدن والصومال والحبشة والحجاز، كما طاف بعد استقراره في مصر بعديد من دول العالم، ولكنه رحل عن 59 عاماً فقط، ولو أطال الله في عمره أكثر، لأزدانت المكتبة العربية والاسلامية اليوم بما يفوق التصور من دُرر الابداع الخالد.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.