ظهرت مؤخراً باقة من القصائد لشاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح، تُدمي القلب وتُدمع العين وتُمزّق الوجدان، تُشير إلى البلاء وتُؤشر على الابتلاء وتؤكد على فداحة المُصاب وجلل المصيبة التي ألمَّتْ بالوطن وأهله.
ظهرت مؤخراً باقة من القصائد لشاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح، تُدمي القلب وتُدمع العين وتُمزّق الوجدان، تُشير إلى البلاء وتُؤشر على الابتلاء وتؤكد على فداحة المُصاب وجلل المصيبة التي ألمَّتْ بالوطن وأهله.
حين يرتفع صوت البندقية ويعلو دخان اللهيب ويرتقي النشيج حتى يبلغ مسامع الجوزاء، لا يكون في مقدور الشاعر غير أن يقول كلمته ويمضي.. وفي الغالب، لا يمضي في سلام الاَّ من رحم ربي!
في أتون هذا المشهد، لم يسلم المقالح من سَفَه الغوغاء وافتراء الدهماء، فقد ألبسوه ما ليس له من المواقف، وقالوا فيه ما لم يقله الشعوبيون في وضاح اليمن.. حتى أنهم زوَّروا عنه كتابات -في الشعر والمقال- يدرك حتى الجاهل أنها ليست من بنات فكره وقلمه، لا من حيث الرأي ولا الأسلوب ولا اللغة.
لقد أحدودب الرجل عن ثمانية عقود وأكثر. ولا يزالّ محل اختلاف ومحطّ اتهام، من قبل النخبة قبل العامة.. فهذا البلد مُبتلى بنخبةٍ أكثر انحطاطاً من تجار المخدرات وسماسرة الدين ومُغتصبي الأطفال.. ومُبتلى بعامةٍ نام عاقلها وقام جاهلها ونهض مجرمها وخفض محترمها!
لقد ظل المقالح -طوال مديد عمره- جسراً للعديد من الأدباء والكُتَّاب وسائر المبدعين في شتى العلوم والآداب والفنون، لا سيما الشبان منهم، يعبرونه من شهقة الولادة إلى ضفة الألق، مُزوَّدين بكريم نصحه وتقويمه وتشجيعه، آخذاً بأيديهم للارتقاء نحو صحيح الانتاج وجميل الشهرة. وقد ظل لعقودٍ عدة نافذة للعالم يُطلّ منها على الثقافة اليمنية وأهلها، وباباً للمثقفين اليمنيين يدلفون منه إلى رحاب الفكر الانساني وتحولاته الجديدة والمستجدة على الدوام.
وظل دائب الجهد، لا ينقطع له نَفَس ولا يهدأ له عَصَب ولا ينشز له وَتَر، في مضمار نشاطه الفكري التنويري على أكثر من صعيد، من خلال رئاسته للجامعة أو لمركز الدراسات، أو من خلال ابداعه الشعري والنقدي، أو في مجال البحث المنهاجي والدراسة العلمية. كما أن العديد من الكتب والأطروحات التي ألَّفها أو أشرف على تأليفها أو أسهم في تنقيحها، تكفي للشهادة على الرصيد النفيس للرجل في ميزان حسناته تجاه الوطن والمجتمع والأمة والأجيال لعدة عقود. وماذا للمثقف الحقيقي من حسنات يرجوها أكثر وأكبر وأسمى من ذلك؟
غير أن عبدالعزيز صالح المقالح -بعد هذا كله- يُقابَل بالجحود والنكران في شيخوخته. وبدلاً من أن يُفاجأ بأن تمثالاً قد نُصِبَ له -عرفاناً وتخليداً- في قلب مدينة صنعاء التي عشقها حدَّ الوَلَه وسطَّرها ابداعاً خالداً على نحوٍ عبقري، يُفاجأ بحجارة الجهل تُقذف صوبه وبحفنةٍ من الرعاع تسعى لتشويه صورته وتزوير صوته، وهو الذي قضى عمره كله يحارب الجهل ويتصدى للجاهلية في كل صوت وصورة.
ديدن الدول والشعوب والمجتمعات التي تتوافر لها ذرة من حضارة ومدنية ونُبل ورفعة، ويتوافر لها رموز بارزة في الأدب أو العلم أو الفن أو غيرها من الميادين، أن تسعى لوضع هذه الرموز في قلوبها وعقولها وتفخر بهم على مرّ التاريخ وتنقل تراثهم إلى الأجيال ملفوفة بأكاليل التمجيد.. لكن الدول التي غابت عنها حكمة السلطان والمجتمعات التي سادت فيها سلطة البهتان والشعوب التي أفتقرت الى العزة والمنعة والايمان، فانها تتعاطى مع خيرة رموزها وأعلامها تعاطي الجاهلية الأولى مع أصحاب الرسالة والنبوءة.
لك الله يا عبدالعزيز.. أما هذا البلد فقد صار من مقتنيات الجن السُّفلي!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.