عدن.. عدن.. فيها الحزن ملون.. حزن منها وعليها.
عدن.. عدن.. فيها الحزن ملون.. حزن منها وعليها.
أتذكر حين كنا نصل مدخل مدينة عدن يبدو جانبي الطريق بعماراته الجميلة البيضاء كابتسامة ناصعة تنفرج عنها شفتا عروس البحر.
تلك الابتسامة التي كانت تستقبل بها مدينة عدن زوارها على مدخلها صارت تكشيرة واضحة لفم المدينة الذي فقد الابتسام بعد أن تحول إلى فم مشوه سقطت فيه أكثر المباني بفعل قصف الحوثيين.
آثار الحرب على المباني والشوارع موجعة، فكيف هي في قلوب أهالي عدن؟!
كم أوجعنا هذا الخراب الذي شوه مدخل المدينة وتوغل فيها جسدها كطعنة غدر حتى العمق.
في مدخل مدينة عدن تم ايقاف حافلة النقل الجماعي كالعادة وتم انزال الرجال للتفتيش وأخذ البطائق.
المجندون الذين صعدوا إليها كانوا صغار السن بشكل ملفت حتى أن أحدهم كان في سن الطفولة وتبادل حديث تعارف مع أحد الركاب.
لم يمنعهم صغر سنهم من الصراخ في وجوه الركاب: أيش جابكم يا دحابشة قد أحنا ساكهين منكم؛ ما نشتيش أحنا شماليين في بلادنا.
العبارة لم تعد تسبب الوخز لأحد؛ صارت مستهلكة لدرجة الابتسام حين سماعها.
بعد ساعة من الوقوف تحت حرارة الشمس اللاهبة رفضوا مرور الحافة وطلبوا من السائق الذهاب إلى نقطة الفيوش لأنه لا يوجد دخول من نقطة العلم..
تحركت الحافلة المليئة بالركاب والعائلات والأطفال إلى نقطة “الفيوش” والذي بدورهم اوقفوا الناس تحت الشمس ساعة أخرى بعد التفتيش وانزال الركاب ومعاينة البطائق الشخصية.
وبعد مراجعات من السائق وزميله أخيرا طلبوا منهم التوجه إلى نقطة العلم مرة أخرى لأنه لا يسمح بالدخول للشماليين..
عادت الحافلة إلى نقطة العلم، وبعد ساعة أخرى من الانتظار والتعب والإهانة صاح سائق الحافلة: خارجونا يا ناس العوائل والأطفال تعبوا من الجو والسفر الطويل من داخل المكلأ.
حينها فقط طلب الجنود أن يفرق الركاب حق القات كي يمروا..!!
كانت صدمة حقيقية لمن لا يعرف حقيقة الاحتلال اليمني لليمن.
أحد الركاب تكفل بدفع مبلغ الفين فقط للجنود وسمحوا للحافلة بالمرور..
كان سائق الحافلة يصيح في وجوههم بوجع: أسألكم بالله انتبهوا للبلاد سهل الالفين وسهل تعبنا انتبهوا للبلاد تضيعوها بس.
أصوات الركاب الساخرة من سخافة الاحتجاز ومهانة المطلب لم تبدد شعور الصدمة الذي انتابني.. كل هذا من أجل ألفين ريال؟!!
وشعار ارحلوا يا شماليين فقط من أجل ألفين ريال؟!!
مناطقية الجنوبيين فاضحة ومحرجة، لكنها سقطت تحت أقدام الإمارات حين وضعت عائلة مؤسس المؤتمر كحل يجب أن يحتشد الجنوب حوله.
في التاكسي ونحن نطوف في شوارع عدن يشير السائق إلى ملعب خليجي عشرين وهو يقول: قصفته قوات التحالف هكذا دون سبب وبعذر لا يصدق؛ تعمدوا قصف معالم عدن مثل الحوثيين تماما؛ لقد اغلق أكبر مول في عدن بسب خراب أجزاء منه!
الصورة الجديدة التي ارتسمت في مخيلتي لشوارع عدن هي مشهد لمسدس مصوب إلى رأس ضحية تفاجأ بطلقات قاتلة تسجلها كاميرا مثبته على جبين قاتل مأجور..
عدن في أسوأ أيامها..
ليس الانقلاب الموازي فقط أو الاغتيالات المصورة بدقة تثير الرعب.
القمامة أيضاً كونت تلالاً في أغلب شوارعها؛ التقطت صورة لجبل قمامة في الشيخ عثمان؛ كانت هناك لوحة في مدرسة قريبة منه أقيم فيها مخيم صيفي مكتوب عليها شكرا لأبناء زايد.
ملايين الدولارات تصب في حجر الجنوب لم يقدروا أن يحسنوا من حال المدينة ولو ظاهريا؛ لم يرفعوا حتى مخلفات الحرب أو فكروا في تنظيف الشوارع من أكداس القمامة.
هذه القذارة المخيفة تنعكس في عيون الناس غضب عارم لكن ضد من يا ترى؟
تنعكس في تصرفات البعض منهم أيضا.. ضد شماليين محددين.. لا ندري كيف؟
ومع ذلك عدن تغص بلافتات الشكر والعرفان!
شكرا أبناء زايد لأنكم لم تحدثوا فرقاً أو تحسنوا في الخدمات لهؤلاء الناس!!..
شكرا لسجونكم السرية وعمليات الاغتيالات المرعبة وشكراً لإنتاج كائنات كـ”عيدروس” و”بن بريك”.
شكراً لكم لقد نظفتم المدينة من كل ملامح الجمال فيها!!!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.