لا أرى في القات عاراً وطنياً ولا أتردد في قول اني امضغ القات. هذا شأن شخصي ويندرج ضمن الحرية الشخصية ومفاعيل الاندماج الاجتماعي والممارسات الهوياتية. وإذا كنت لا امضغ القات فهذا لا يعطيني الحق في ازدراء الآخرين.
الحديث عن القات حديث شائك جدا. وهو ككل ظاهرة اجتماعية تقسم الناس إلى مناصرين ومعارضين وتفتح الجدل إلى درجة تصل إلى السطحية والخفة والنكاية.
المناصرين ينطلقون من زاوية ذاتية دون الألتفات إلى الأبعاد السلبية للقات الاجتماعية (العزلة الفردية من ناحية والتقوقع الاجتماعي communautarisme) والاقتصادية (عجز في الادخار ونسبة انفاق على القات عالية قياسا بدخل الفرد ونصيب الاسرة من الإنفاق، تراجع ساعات العمل وعدم كفاءاتها في القطاع العام تحديدا إضافة إلى أنه مدخل رئيس للفساد) والصحة العامة وهذه نقطة الجدل والتهويل، لكنها على المدى البعيد ممكنة ولن نتجاهل الأمن الغذائي لان زراعة القات تكون على حساب محاصيل اخرى.
المعارضون للقات جعلوا منه موضوع نجاح شخصي وقضية وجودية يمكن من خلالها تبوء مكانة اجتماعية والحصول على قبول اجتماعي واهم من هذا تمثيل جهة تخاطب مع المنظمات الدولية ووسائل الاعلام، وهذا لا يكون إلا بالتنميط والتعامل الاستشراقي مع المسألة.
هذه تقنيات مفهومة. لكن ما يعاب عليهم هو التعامل المجتزأ مع الحقائق العلمية الخاصة بالقات. وجعلوا محاججتهم طريقة للنيل من متعاطي القات في اليمن. بل انهم يرطنون بخفة حول القات باعتباره المشكلة الاولى في اليمن.
شخصياً، لا أرى في القات عاراً وطنياً ولا أتردد في قول اني امضغ القات. هذا شأن شخصي ويندرج ضمن الحرية الشخصية ومفاعيل الاندماج الاجتماعي والممارسات الهوياتية. وإذا كنت لا امضغ القات فهذا لا يعطيني الحق في ازدراء الآخرين.
تجريم القات في العالم ليست حقيقة مطلقة حوله وهو تجريم غير منطقي وله دوافع اخرى غير الضرر والإدمان، وإلا فلماذا الكحول والتبغ غير مجرم بينما يقعان في أعلى قائمة الضرر الصحي والإدمان.
حقيقة القات في اليمن مثلها مثل التبغ والكحول يجب أن تأخذ في أبعادها التاريخية (الحضور الزمني للشجرة اجتماعياً وهناك دراسات تشير إلى أن القات والبن صنوان بل إن حضور القات سابق على القهوة ويعود إلى ما قبل المسيحية في مصر) والاجتماعية (الانتشار والطقوس الملازمة والارتباط الشرطي بين الطقس والتعاطي وكذلك الاستخدام الاجتماعي إضافة إلى البعد الديني والاخلاقي من حيث القبول أو الرفض) والاقتصادية (حصة القات في الناتج القومي او موقعه اقتصاديا كما هو الحال في اثيوبيا).
فإذا كان المنع يقتصر على الادمان والضرر الصحي المباشر للقات فهذه ضعيفة ولا تتحصل على المدى القريب. ونظرًاً لضعف الادمان فان القات لا يظهر في قوائم مواد الادمان الخاصة بمنظمة الصحة العالمية.
فضلاً عن أن المنبهات الاخرى لها لوبيهات عالمية تدافع عنها ويمكن أن تؤثر على المعايير الصيدلانية الخاصة في تقييم الأضرار، وأيضاً تؤثر على المشرعين في الدول.
وللاسف فان القات ولأسباب طبيعية متعلقة بمنطقة الزراعة والتوطن فهو حاضر في منطقة القرن الأفريقي وهذه منطقة فيها دول ضعيفة مادياً وسياسياً ولا تستطيع الدفاع عن شجرة طبيعية ذات تاثيرات نفسية محدودة.
بينما يجد النبيذ الفرنسي رواجاً وترويجاً في العالم لانه يشكل ركيزة اقتصادية في فرنسا ودول أوروبية اخرى ولأنه جزء من المطبخ وفن التّذوق مع أن أضراره النفسية والصحية عالية في حال الإفراط فيه. يتجاوز دخل فرنسا ٦ مليار يورو سنوياً من صادرات النبيذ، بينما ١٥٪ من السياح في فرنسا يأتون إلى مناطق زراعة العنب وإنتاج النبيذ.
وبالعودة إلى تاريخ حظر المنبهات فأن المسألة تخضع أحيانا لتقديرات ذاتية أو رؤية دينية وأحيانا لمصالح اقتصادية بحتة. والملحوظ أن كثافة الحظر للمؤثرات الذهنية حدثت بعد فترة استقلال الدول، وهذا يعكس العلاقة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة لمرحلة ما بعد الاستعمار.
الأضرار الحقيقية للقات في اليمن تحديداً هي أنه يستنفد المياه الجوفية في بلد فقير إلى الماء، ويستهلك ٧٠٪ من المبيدات والمواد السامة التي تستخدم دون اعتدال ولا حرص على سلامة المستهلك، وأيضاً انه يستحوذ على نصيب كبير من الأرض الزراعية.
ليست المشكلة مماثلة في اثيوبيا مثلاً، وإذا كانت زراعة القات على حساب زراعة البن هناك إلا أن القات هو ثاني سلعة للتصدير إلى الخارج الاثيوبي بعد البن.
وشجرة القات مقاومة وتستهلك مياه أقل. لكن التشديدات والاجراءات الضريبية في الدول المستوردة من اثيوبيا خفضت من زراعته وحصل توازن تلقائي نتيجة للعرض والطلب.
في اليمن الامتناع عن زراعة القات وهو يمثل ٤٠٪ من الناتج القومي لا يعالج أزمة المياه في البلاد. وهذه هي المشكلة الجوهرية في اليمن لأنها تتعلق بالأمن الغذائي. الرطانة عن القات وأضراره دون النظر إلى هذه النقطة هي رطانة سطحية.
حاولت البحث في فلسفة حظر المخدرات في دول العالم خصوصاً وأن هناك توجه للسماح بزراعة وتناول القنب في بلدان عديدة.
جوهر التشريع هو قياس الضرر على المجتمع بينما تظل حرية الفرد وحقه في استخدام جسده كما يروق له.
هذا لأن الحرية وليدة الوعي. وعليه لا يمكن ممارسة وصاية على شخص بالغ عاقل حر.
تبقى إشكالية اخرى مع القات وهي المظهر العام. وهذه يمكن معالجتها بتغيير طريقة الاستهلاك وتعود إلى تقدير الفرد لذاته ورغبته في تقديم صورة خاصة به لائقة أو غير لائقة، لكن تقدم معايير حياتية شاملة في حياة الفرد في اليمن ستعمل على تجاوز هذه المشكلة. إذا لا يمكن أن نشترط على مجتمع فقير وامي ومحترب وبلا دولة تصون المجتمع وترعى شؤونه الصحية والاجتماعية أن يظهر بمظهر لائق وأنيق.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.