كتابات خاصة

العقبة الكأداء

فتحي أبو النصر

ثمة وصاية وقحة على الشعب، وتشظٍ للبنى الوطنية، في ظل تجريدها كلياً من حلم تحقق الدولة الضامنة، التي وحدها لا غيرها ستظل تمثل الهوية الوطنية الأسمى والعابرة لكل المشاريع الصغيرة، إضافة إلى كونها الحاضنة المثالية للمشروع الوطني الذي تاق إليه اليمنيون وضحّوا من أجله مراراً وما يزالون.

ثمة وصاية وقحة على الشعب، وتشظٍ للبنى الوطنية، في ظل تجريدها كلياً من حلم تحقق الدولة الضامنة، التي وحدها لا غيرها ستظل تمثل الهوية الوطنية الأسمى والعابرة لكل المشاريع الصغيرة، إضافة إلى كونها الحاضنة المثالية للمشروع الوطني الذي تاق إليه اليمنيون وضحّوا من أجله مراراً وما يزالون.

أما وقد غيرت الحرب أولويات المجتمع، تبقى على جميع الأطراف مسؤوليات متفاوتة في خلق المناخات الملائمة لجبر الضرر المجتمعي الكبير. ثم إن حالتي الإنهيار والتردي تفاقمان من المأساة بصورة كابوسية، لأن الحرب دمرت الأخضر واليابس، كما تفوقت على كل الحروب التي سبقتها.
ومع ذلك، فكل الأطراف لا تريد تحول اليمن إلى دولة مؤسسية، فما نشاهده من فساد استشراسي ممنهج يقوض هذا الحلم، بل ويعيد إنتاج قيم تمجيد الفساد ونهب الدولة وازدراء المواطنة، فضلاً عن تعقيدات جملة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستحكمة، وبالتالي هدم مقومات المجتمع المدني والسياسي، وتوقف التنمية، وسوء الحالة المعيشية، وانتشار المجاعات والأوبئة والإرهاب، وإشاعة الفوضى الامنية وعدم الإستقرار.
أشد ما تحتاجه اليمن يتكثف في استعادة مسعى الإنقاذ قبل فوات الفرصة الأخيرة.. بمعنى آخر، إن فساد الشرعية المتفاقم والمهووس بالإصرار على الفساد هو ما سينزع رمزية الشرعية من وجدان الشعب الذي كان يراها خلاصه الوحيد، خصوصاً وقد بلغ حجم التذمر الشعبي منتهاه.
وبالمحصلة، فإن هؤلاء جميعاً “انقلابيون وشرعجيون” يقتاتون على الحرب، كما يستطيبون مفاسدها واستغلالاتها الجمة، وهم مع بقاء حالة اللادولة قائمة أكثر من أي شيء آخر.
فبالرغم من الصراع الحاصل بين السلطتين مثلاً، إلا أنهما لا تتفقان على شيء مثل التعامل مع فكرة الدولة بعقلية قطاع طرق، واعتبار الدولة غنيمة حرب.
فإذا كان الإنقلاب غير مشروع، ولا ينتظر العاقل منه تصرفات غير فاسدة، فكيف يمكن استيعاب تغلغل ثقافة الفساد على نحو لا معقول في الشرعية أيضاً؟!
لكن الأنكى من هذا هو جعل الساحة اليمنية مرتعاً للميليشيات وسلاحها المنفلت، فيما لا تمتلك أي مشروع سياسي حديث، لتصبح عقبة كأداء أمام تشكل ملامح دولة قادمة، وهي بالتأكيد ميليشيات متصلة بالحسابات والمصالح المحلية والإقليمية والدولية المهيمنة، الراعية للميليشيات ولأجنداتها اللاوطنية، كما يبدو واضحاً.
ويزداد الأمر سوءاً مع تكريس النزاع المسلح، وعدم الإمتثال للتنازلات السياسية في ظل عدم تجسيد قوات الشرعية لمضامين واضحة ضد الإرهاب والتطييف والمناطقية، ما يفتح الباب على مصراعيه لانتشار قوى العصبويات والعنف فقط، وبالتالي تفاقم المخاطر الجسيمة على أمن اليمن، وكذا أمن البحر الأحمر، المتصل بالأمن الخليجي والعربي والدولي معاً.
وإذا كان صحيحاً أن الشرعية تفكر بمواجهة مشاكل الميليشيات الإنقلابية، فلا ينبغي حدوث ذلك بميليشيات مضادة مهما كانت التبريرات. وأما بيئة إسقاط الدولة وانهيار مؤسساتها، فهي كانت وما تزال البيئة المفضلة والمثالية لترعرع استراتيجية الإرهاب والميليشيات.
وبما أنه لا يمكن التغاضي عن جموح السلاح الحوثي المناطقي والمذهبي المنفلت خارج نطاق الدولة، لا يمكن على الإطلاق بالمقابل الإنسجام مع جموح السلاح المناطقي والمذهبي المضاد.
لذلك، على كل القوى غير الإنقلابية استيعاب هذه التحديات الضخمة، ومعنى أن تكون الشرعية صمام أمان للهوية اليمنية العليا، وليس العكس، كي لا يجد الشعب نفسه أمام تطلعات استبدادية واحتكارية جديدة مذهبية أو مناطقية.
كما على الجماعات الدينية المتنوعة في الساحة، وبالذات المصطفة مع الشرعية، التأكيد على احترام فكرة الدولة، والوقوف ضد تطييف الصراع، مثلما التصدي لثقافة التكفير والإرهاب والميليشيات والاصطفاءات، وصولاً لنبذ وعي السلاح المنفلت، أياً كان مصدره، لإنقاذ البلد من شرور الميليشيات المتناسلة، وتجنب آثارها المدمرة على الدولة والمجتمع.
فالجماعات المسلحة التي تغلب التشبث بسلاحها داخل إطار الشرعية، وترفض الإنصياع العسكري الجامع لأوامر الجيش الموالي للشرعية، لا فرق بين منطقها ومنطق الإنقلاب. كما لا يمكن مكافحة الإرهاب والميليشيات معاً ما لم تتفق كل القوى على استنكار ورفض كل من يحرّفون الصراع بمضمونه السياسي الإجتماعي الإقتصادي، ويحولونه إلى مجرد صراع مناطقي أو مذهبي طائفي صغير، لا يصب في صالح مشروع استعادة الدولة اليمنية التي توفر المصالح لكل مواطنيها، وتصون الأمن الإقليمي الضامن للسلام المستقبلي. وأما الماثل أمامنا اليوم، فهو أن انهيار الدولة وتشظي المجتمع يعد الإرهاب الأكبر، بالطبع.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى