لم يكن محمد البدر يرحمه الله في الممارسة أقرب إلى كهنوت الإمامة من كل الأئمة الذين سبقوه خلال الألف عام .. لكن عهده مثًَّل خلاصة ما تختزنه الذاكرة الوطنية من توجس ومرارة ونفور متراكم عبر القرون تجاه الإمامة وشخوصها وإرثها وممارساتها وخطرها … وساعد على ذلك تطور الفكر الإنساني الذي يعتنقه الثوار ويرى بأنه لا يصح قبول حكم إمام يستند إلى الكهنوت ودعاوى الإصطفاء والأفضلية العرقية .. البدر الذي حكم أسبوعا فقط البدر كان تقدميا وكان يوصف كونه أميرا أحمر، وحتى شيوعيا ، لكن لعل ذلك لم يشفع له عند دعاة الحرية والمساواة فهو في الأخير إمام .. وواضح أن دافع ثوار سبتمبر كان التخلص من فكرة الإمامة وشبحهها وكابوسها إلى الأبد.. لو كان البدر مجرد أمير أو ملك أو سلطان أو رئيس دنيوي مدني، فربما كان أولى بالثوار أن يعطوه فرصة لعله يصلح ويطور ويغير بالتدرج في مجتمع تقليدي … لكن البدر نفسه لو عزم على التغيير والتطوير والتخلص من عقدة الإمامة وعقدها العنصرية، ما كان ليسلم من تربص الإماميين المتعصبين وانتفاضاتهم وثوراتهم إستنادا إلى ما يسمى مبدأ “الخروج” أو اختلال الشروط..
لم يكن محمد البدر يرحمه الله في الممارسة أقرب إلى كهنوت الإمامة من كل الأئمة الذين سبقوه خلال الألف عام .. لكن عهده مثًَّل خلاصة ما تختزنه الذاكرة الوطنية من توجس ومرارة ونفور متراكم عبر القرون تجاه الإمامة وشخوصها وإرثها وممارساتها وخطرها … وساعد على ذلك تطور الفكر الإنساني الذي يعتنقه الثوار ويرى بأنه لا يصح قبول حكم إمام يستند إلى الكهنوت ودعاوى الإصطفاء والأفضلية العرقية .. البدر الذي حكم أسبوعا فقط البدر كان تقدميا وكان يوصف كونه أميرا أحمر، وحتى شيوعيا ، لكن لعل ذلك لم يشفع له عند دعاة الحرية والمساواة فهو في الأخير إمام .. وواضح أن دافع ثوار سبتمبر كان التخلص من فكرة الإمامة وشبحهها وكابوسها إلى الأبد.. لو كان البدر مجرد أمير أو ملك أو سلطان أو رئيس دنيوي مدني، فربما كان أولى بالثوار أن يعطوه فرصة لعله يصلح ويطور ويغير بالتدرج في مجتمع تقليدي … لكن البدر نفسه لو عزم على التغيير والتطوير والتخلص من عقدة الإمامة وعقدها العنصرية، ما كان ليسلم من تربص الإماميين المتعصبين وانتفاضاتهم وثوراتهم إستنادا إلى ما يسمى مبدأ “الخروج” أو اختلال الشروط..
كان لا يمكن سكوت أمثال بدر الدين الحوثي الذين يرون أن الإمامة أصلا من أصول المذهب لا يمكن الخروج عليه أوالحياد عنه … وما يحدث الان على يد إبنه عبد الملك يؤكد استحالة تطور نظام الحكم واستقراره في ظل وجود فكرة الإمامة وتأثير أتباعها ومعتنقيها ..
لا يواري عبد الملك مثل أبيه تمسكه بالفكرة العقيدة وكثير من خطاباته تؤكد على حصر مسالة الولاية في علي وذريته إلى يوم القيامة وضلال من يخالف ذلك.. وما يلاحظ من إعلان “البيعة” لعبد الملك وهي مسجلة ومنشورة وعلنية والتي أشرت إليها في مقال سابق بعنوان ” فتنة الألف عام” توضح أهداف الحركة الحوثية النهائية ومراميها .. ولعل حديث كثير من أتباع الحوثي عن “مرجعية السيد” تشير إلى المقاصد والغايات للهيمنة والسيطرة العسكرية على اليمن عسكريا عن طريق ما أسموه ثورة الشعب..! ويبدو أن هناك تفكيرا بديلا تحوليا في جعل الإمامة والولاية تأخذ شكلا من ولاية الفقيه في حال ما بدا أنه استحالة إمكانية عودة الإمامة الهادوية في شكلها التقليدي التاريخي، ولا باس أن يكون النظام جمهوريا شكليا مثل إيران…ولا يبدو أن نموذج السيستاني في العراق كافيا ليكون التدخل مناسباتيا وليس ملزما دائما وخاصة في التفاصيل ..وقد تبدَّا الترويض والتهيئة للنموذج المنشود القريب من نموذج الولي الفقيه، قبيل اجتياح صنعاء، وتزايدت الوتيرة في فترة ما بين الإجتياح والإنقلاب، عندما كانت صعدة محجة كبار السياسيين اليمنيين والمبعوث الأممي ووفد روسي ..
ربما لا يدرك كثيرون بأن نموذج السيستاني ونموذج ولاية الفقيه الذي تمخضت عنه ثورة إيران سيكون من التاريخ عما قريب… ويستحيل لشعب عريق مثل شعب إيران الذكي الطامح أن يستمر طويلا في تحمله حكم نصف إله وهو قد تخلص من الشاه محمد رضا بهلوي … مفارقة حقاً أن يطاح بملك مدني مهما كانت التحفظات عليه ، ثم يؤتى برجل دين يستند إلى خرافات ويحكم باسم الله، في انتظار قدوم المهدي…!
الحقيقة إن عددا من علماء الزيدية قالوا في بيان لهم عام 1990 إن الإمامة تعد مسألة تاريخية فقط.. لكن واضح أن أمثال بدر الدين الحوثي لم يكن ممن يقر بذلك البيان..
يوم 26 سبتمبر 1962 لم تصنعه شمس الضحى كما قال الزبيري ، لكن صنعته إرادة رجال وطنيين قحطانين وعدناييين ، ونتج عن معاناة استمرت قرونا وكانت تبدو أحيانا أنينا ، وغدت في ذلك اليوم المجيد صيحة تصغي لها الأمم..!
سيقول التاريخ إن يوم 21 سبتمبر 2014 كان نكبة وطنية، و كارثة بكل المقاييس .. ولن يخرجه المؤرخون عن سياقات فتنة الألف عام التي تسببت فيها الإمامة منذ نشوئها وجعلت اليمن السعيد يعيش في ذيل الأمم ثقافيا وحضاريا واقتصاديا وسياسيا .. ومع أن ذلك اليوم وما سبقه من أيام نحسات وما ترتب عليه من تبعات ، قد يكون من أخطر وأفدح ما تعرضت له اليمن في تاريخها لكن يبقى التحدي هو أن يكون آخر فتنة إمامية، ويكون التحرر من تعباته بداية مسيرة اليمانيين نحو تحقيق الذات واستعادة العزة ونيل المكانة اللائقة بين الأمم على نحو دائم وأبدي ونهائي …
ومرة أخرى من الممكن ومن الطبيعي أن يكون قادة المستقبل قحطانيون أو عدنانيون .. أو غير ذلك ..لا فرق.. لكن لا بد من دحض فكرة الإمامة وإلى الأبد… ولا بد من التسليم بأنها لم تعد سوى مجرد تاريخ..
…
وزير الأعلام الأسبق، من صفحته على فيس بوك