(تحقيق حصري) جماعة الحوثي من الداخل.. خلافات تتوسع لكن تفككها مايزال بعيداً
تحقيق لـ”يمن مونيتور” يعتمد على مسؤولين ورجال أعمال وزعماء قبائل تابعين للحوثيين يمن مونيتور/ تحقيق خاص:
تعيش جماعة الحوثي أسوأ مراحل نشأتها منذ تأسيسها عام 2004 بعد أنّ وصلت إلى نقطة النهاية في ذروة قوتها بالسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء والدخول في حرب دامية مع الحكومة اليمنية؛ وقد أدت إطالة الحرب ووجود مراكز اقتصادية جديدة إلى ظهور تصدع داخل الجماعة؛ حسب قيادي في الجماعة ورجليّ أعمال وشيخ قبلي تحدثوا لـ”يمن مونيتور”.
وبالرغم من أنهم قالوا إن تفككها يستمر ب”هدوء” دون وجود خطط خارجية إلا أنهم يعتقدون أن ذلك يحتاج الكثير من الوقت ليظهر للعلن؛ وهو ما يملكه الجميع مع دخول الحرب عامها الرابع.
وقال مسؤول سياسي بارز في الجماعة متحدثاً لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته، إنّ القادة الأمنيين والعسكريين يستحوذون على قرار الجماعة، وأن القادة السياسيين أصبحوا خارج دائرة الاهتمام لما يطرحونه للنقاش.
وأضاف المسؤول، “من الواضح أنّهم لا يريدون تجنيب الجماعة ويلات الانهيار التام في ظِل استمرار الحرب التي تعود عليهم بمنافع كبيرة إذ أنهم ينظمون حملات جبايات من رجال الأعمال لبناء ثراءهم الخاص”.
وقال المسؤول إن الخلافات تصاعدت منذ قَتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ إذ يعتقد المسؤول الحوثي أنّ ذلك كان خطئاً يفقد الثقة بالجماعة من حلفاءها في الداخل من شيوخ قبائل ورجال أعمال ومناصرين، كما يفقد ثقة حلفاء الخارج مثل روسيا التي أوقفت أي تواصل سياسي بالجماعة.
أوقفوا لقاءات الجماعة
ويتفق أحد شيوخ القبائل المتواجدين في صنعاء مع ما ذكره المسؤول الحوثي، إذ يرى أنه وعدد من شيوخ القبائل الذين كانوا مناصرين للجماعة كونهم من أنصار الرئيس السابق قد أوقفوا لقاءات الجماعة الدورية.
وأضاف متحدثاً لـ”يمن مونيتور” في صنعاء أنّهم لم يبدلوا ولائهم بَعد لصالح التحالف العربي والحكومة المعترف بها دولياً، لكنهم لن يشاركوا مع أي طرف بعد الآن.
وأشار الزعيم القبلي إلى أنه لا يستطيع الانضمام إلى الحكومة الموجودة في الرياض وتبرير موقفه لعائلات القتلى من قبيلته الذين سقطوا على الحدود السعودية بدعوة منه؛ وفي نفس الوقت لا يستطيع أنّ يمنع أبناء القبيلة إذا ما أرادوا القتال مع الحوثيين بإرادتهم رغم أنه تم الاتفاق مع قيادات القرى والعزل والنواحي ألا قِتال منذ مقتل صالح.
المسؤول السياسي الحوثي يعتقد أيضاً أن القرار الباقي في الجماعة يرى أنّ الهجمات على الأراضي السعودية سوف تقربهم من اتفاق سلام يجبر المملكة على الرضوخ لمطالب الجماعة.
الخلافات الاقتصادية
وقال رجل أعمال يدعم تحركات الحوثيين لـ”يمن مونيتور”، إنَّ عدد من التُجار الذين يقفون مع الحوثيين منذ الحروب الست ضد الجماعة ويمولون أو يستخدمون بضائعهم كغطاء للحصول على الأسلحة والمال، لن يكون بمقدورهم الاستمرار أكثر من ذلك.
ولفت التاجر الذي يملك مجموعة واسعة من المحلات في صنعاء وفروعاً في المحافظات، أن مراكز مالية جديدة لقيادات عسكرية يديرها أشقائهم بدأت بالظهور ومزاحمة تجاراتنا، مستخدمين النفوذ لمنافسة المراكز المالية السابقة التي منها رجال الأعمال الذين يدعمون الجماعة منذ وقت مبكر.
وقال الرجل إنّ الجماعة تستخدم معهم أساليب الابتزاز بأن التحالف/السعودية/الحكومة يعرفونهم وأن رفضوا الإنفاق في الحرب وتمكنت قوات التحالف من دخول صنعاء والمحافظات الشمالية فإن أول المتضررين هم رجال الأعمال الذين دعموا الجماعة في الحرب.
ويعتقد الرجل أن انعدام مصادر الإيرادات لدى الجماعة تجعلهم أكثر جموحاً للجبايات. إذ أنّ نقل البنك المركزي مثل مشكلة كبيرة للجماعة وجعلها تستنزف أي جبايات في وقت سريع.
من جهته يقول رجل أعمال ظل موالياً لـ”صالح” حتى مقتله على يد الحوثيين إنهم رجال الأعمال الموالين لـ”صالح” يتعرضون لأسوأ ابتزاز منذ عقود.
وتحدث الرجل لـ”يمن مونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته. مشيراً إلى أن “أطقم” دوريات الجماعة تحاصر منزله أكثر من مرة في الشهر من أجل الحصول على أموال بشكل دائم، “وفي كل أسبوع يأتي قيادي حوثي جديد يطلب مبلغاً من المال بين 500 ألف إلى 5 مليون ريال (الدولار=485ريال)”.
وقال إنّ الجماعة سمحت لرجال الأعمال برفع الأسعار إلى حدٍ معين. مضيفاً أنه ومقابل ذلك تطلب الجماعة (10% من الأرباح)!
واتفق الرجلان التابع للحوثي والموالِ لـ”صالح” أن الاستمرار في دفع الجبايات للجماعة يزيد نَهم قياداتها نحو المال؛ وأنهما يعتقدان أن معظم رجال الأعمال سيغادرون البلاد والباقين سيحاول الانفكاك عن الجماعة بأسرع وقت.
الحرس القديم
يتحدث المسؤول السياسي في جماعة الحوثي عن “الحرس القديم” داخل الجماعة وقال إنّ هؤلاء الذين ناضلوا مع الجماعة منذ التأسيس إما “استشهدوا أو أصيبوا وتم إرسالهم خارج البلاد، والبقية تم إزاحتهم من جوار السيد (يقصد عبدالملك الحوثي)”.
زاعماً أن هؤلاء -الحرس القديم- أكثر نضجاً في موازنة الأمور لكن صوتهم لم يعد مسموعاً بسبب ما وصفهم بكثرة “قادة الطوارئ والحرب وتجار الأزمات”.
وقال إنّ معظم هؤلاء -الحرس القديم- يديرون المخابرات ويتحركون لجبهات القتال لتقديم الدعم والمساندة تاركين المجال مفتوحاً لـ”قادة الطوارئ” لإدارة المشهد.
خُطَّة ابن سلمان
وكان الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودي، قد أشار أكثر من مرة إلى أنّ خطته القادمة هي تفكيك جماعة الحوثي، وقال في حوار مع مجلة “التايم”: ” أقول ذلك بصوت عال، إننا نعمل بذكاء لتقسيم الحوثيين أنفسهم. لذلك نحن نريد أن نعطي الفرصة. إذا كان هناك في الصف الثاني من القادة، أو السطر الثالث، أو أشخاص من الحوثيين الذين يريدون أن يكون لهم مستقبل مختلف، فسوف نساعدهم على الانفصال عن الخط الأول من القادة الأيديولوجيين للحوثيين”.
وقال المسؤول الحوثي إنّهم ورغم غضبهم من تلك القيادات إلا أنّ من غير الممكن التحالف مع الرياض -العدو- لمهاجمة قيادتنا. لكنه أشار أنّ بإمكان القيادة السعودية التحاور مع الجماعة عبر الخطوط الثانوية الموجودة والتي تعمل في مسقط وعواصم أوروبية، بالإمكان إقناع القيادة السياسية للجماعة وإقناع “السيد عبدالملك الحوثي” إنّ كان الاتفاق عادلاً بما فيه الكفاية، ويحفظ وحدة البلاد واستقرارها ويدفع بالقوات “الغريبة” خارج البلاد.
ويعتقد المسؤول الحوثي أنّ السعودية حاولت في تفكيك تحالف الجماعة مع “صالح” ونجحت ولكن في النهاية أدى إلى خذلان “صالح” وقتله بطريقة بشعة والسيطرة على أملاكه واعتقال عائلته؛ ولا أحد يريد بما في ذلك شيوخ القبائل الموالين لـ”صالح” تكرار تلك التجربة.
فيما قال رجل الأعمال الموالي للحوثيين إنّ “الجماعة تتفكك بصمت دون الحاجة ل العدوان أو “ابن سلمان” وإذا لم تبدأ الجماعة بمراجعة تحركاتها وطرقها، فسرعان ما سيتضح ذلك في العلن، فالاختلافات وصلت مرحلة متقدمة، وقيادات الجماعة الموجودين في الخارج سيكونون أول من يصرخ ثمَّ سنصرخ نحن بنقل تجاراتنا وأموالنا للخارج للتخلص من الضغوطات والابتزاز”.