في الحقيقة..
لم يغتالوك وحدك ياعمر دوكم..
لقد اغتالوا فيك الثورة والثائر، و البلاغة و الخطيب الماهر. لا أعرف عمر دوكم من قبل، لكني عرفته اليوم جيدا بمجرد أن فتحت الفيسبوك أول المساء و اندلقت أمامي المراثي والمنشورات بشكل مهول، نعي بلا انتماء ،وأحزان من كل الجهات، اليسار واليمين،السياسة و الدعوة، القصائد و الخطب، كل المتناقضات توحدت حول دم عمر كما لو أنه دم كل القلوب.
في المساء اليمني،كانت آسيا ثابت تقرأ نصا كتبه عمر ذات يوم يعبر فيه عن حبه لكل اليمنيين باختلافاتهم ولكل اليمن مطلعا ومنزلا و شمالا وجنوبا، وعندما انتهت من قراءة النص سألت ضيفها نبيل البكيري بالله عليك من يستطيع أن يغتال رجلا كهذا، وقبل أن يرد عليها نبيل بكت أمي بحرقة و حزن كأنه ولدها ورسمت بدموعها مرثية و صلوات على روح عمر و لعنات على من اغتالوا هذا الوهج.
أما أنا فقد كنت منشغلا بسماع مقطعا مصورا لعمر و أنا على شفتيه في قصيدة رثاء ودعت بها طفلا ذات يوم و اليوم أتركها لعمر يرثي بها روحه الطاهرة كما شاء أن يقرأها هو يوم تهرب من بعض كلماتها تجنبا لنزق وشطحات الشاعر و اتساقا مع وقار و التزام الخطيب الذي يراعي الحساسيات ويحرص على عدم استفزاز الأقل استيعابا.. والأكثر إرهابا.
وعلى ذكر الإرهاب الذي ترعاه دول وأنظمة ساقطة لكي يحرسها من السقوط، لن ينسى اليمنيون رعاة هذا الموت وعبيدهم الذين أثخنوا عدن من قبل وقتلوا كل إمام وخطيب معتدل ليستبدلوا الوسطية بالوسطى .
في الحقيقة..
لم يغتالوك وحدك ياعمر دوكم..
لقد اغتالوا فيك الثورة والثائر، و البلاغة و الخطيب الماهر.
قتلوا معك المثقف التنويري، وداعية الحب والسلام والتسامح و الدولة المدنية والمساواة والعدل والحرية و النبل و الأحلام.
أطقوا الرصاص عليك و على تعز فيك و اليمن معك، على النشيد الوطني و الطير الجمهوري و علم البلاد.
لا عزاء فيك إلا إيماننا بمدينتك التي وقفت وحيدة في مواجهة الأقزام، و بمدنيتك التي دعا لها قلبك و لسانك حين اخترت الحديث عنها كضرورة للحياة في حين يعمل غيرك على ترهيب الناس بالجحيم وعذاب القبر أو ترغيبهم بالعمليات الانتحارية و السيارات المفخخة و الدراجات النارية التي يتوهمون أنها تقربهم من الله و تنقلهم إلى أحضان الحوريات و أنهار الخمر والعسل.
نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك