من خلال مذكرات نجوى غانم التي دونتها المحاضرة الأمريكية جين ساسون ستلحظ الرغبة الدفينة لدى امرأة عربية نشأت في سوريا، وضع المرأة العربية باعث للشفقة.. تقضي معظم حياتها إرضاء لزوجها.. رغباتها، مسار حياتها هو تبع لرغبات زوجها ومسار حياته.. ككثير من النساء اللاتي يتركن كل شيء للاحتماء بظل رجل حتى لو قتل بداخلها الأغنية كما يقول خالد حسيني واصفا فتيات الأفغان في روايته الأولى “عداء الطائرة الورقية”.
في فيلم “انجلش فينجلش” تقضي امرأة هندية مدة حياتها الزوجية مهملة وذابلة بعد حياة قضت فيها ما يقرب الخمسة عشر عاما، تعاني من إهمال زوجها لها، تتقدم في الأيام وتشعر بالذبول أكثر، وعندما زارت أقاربها في أمريكا تعرفت على شاب فرنسي أحبها وشعرت بميل كبير نحوه، حتى اقتربت كثيرا من الاستسلام لتلك اللحظات التي ستقرر فيها الخلاص من حياة سابقة لم تسمع فيها كلمة حب إلا منذ زمن بعيد، إلى حياة جديدة ستعيد لها كل مفاتنها الأنثوية التي انطفأت في حياتها القديمة، وبعد تفكير طويل تقرر المرأة وفي اللحظات الأخيرة الحاسمة الانسحاب والعودة إلى حياتها السابقة، إلى مسؤولياتها والتزاماتها الكثيرة، إلى ذلك الزوج المتجاهل والأبناء، وكل ما من شأنه العودة إلى تلك الدوامة اليومية، وعندما تلتفت تلك المرأة للحديث عن مجملها سنواتها الأربعين تلخص حياتها أنها صانعة الحلوى “لدو” الأمهر في المنطقة بحسب رأي زوجها، وتكتفي بهذه الإشادة.
لست متأكدا إذا ما كان هذا واقع المرأة الهندية ككل، لكن تفاصيل واقع المرأة اليمنية تقترب كثيرا من تفاصيل ما دار لهذه المرأة الهندية من حرمان ومعاناة وتجاهل والتزامات نتيجة الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها اليمن، خاصة في العقد الأخير.
النماذج كثيرة لدفن المرأة العربية فكريا وعاطفيا وشعوريا وإبداعا، والمرأة التي تلد نصف المجتمع يدفنها هذا النصف.
فمثلا لو لم تتزوج نجوى غانم أسامة بن لادن لربما كان اسمها الآن يتصدر الصفحات الأولى للأخبار الرياضية كواحدة من لاعبات مضرب الكرة أو كموسيقية، تؤلف نوتات موسيقية وكإحدى الفتيات المداومات على قراءة كتب الأدب والروايات، لكن بن لادن تزوجها وقتل بداخلها كل ذلك الشغف.
مرة أخرى.. امرأة عربية مجددا قتل رجل ما بداخلها الأغنية.. هذه الصور ستتكرر ملايين المرات، وخاصة في المجتمعات العربية.
من خلال مذكرات نجوى غانم التي دونتها المحاضرة الأمريكية جين ساسون ستلحظ الرغبة الدفينة لدى امرأة عربية نشأت في سوريا، وهي بيئة عربية ليست على غرار البيئة السعودية التي انتقلت إليها عقب زواجها من أسامة، والذي كان الرداء الأسود الذي يلف وجه المرأة وجسدها عنوانا لهذا البلد المغلق.. فتركت نجوى حبها لقراءة الروايات والموسيقى والرياضة كما تتحدث عن نفسها، لتصحو برفقة رجل هو المطلوب الأول عالميا لدى أمريكا.
لكن ولد بن لادن الرابع عمر يضع صورة متناقضة تماما لما كونته لدينا زوجته، فلم يكن بن لادن في نظره غير ذلك الأب القاسي الذي نشأ في صحراء وامتلأت حياته بكل جدب وقاحل.. في المذكرات ذاتها يحكي عمر عن طفرة غريبة في تاريخ الأبوة تعيدنا إلى الأيام الأولى للإسلام حين قال رجل أعرابي للنبي محمد: إن لي عشرة من الأبناء ما قبّلت واحدا منهم قط، فقال له نبي الرحمة: وما أصنع لك إن نزع الله الرحمة من قلبك، قال عمر ابن أسامة: إن أبي لم يحتضن أحدا منّا طوال عمره، وفشلت كل محاولاتي وتصرفاتي الهادفة لإظهار عاطفته الأبوية.. لقد أُجهضت كل محاولاته البريئة للحصول على لحظات حميمية يتقوى بها على برد الليالي في جبال أفغانستان.
نجح أسامة بن لادن في أن يقلق راحة العالم، لكنه فشل فشلا ذريعا في أن يكون حتى أبا صالحا وجيدا لأبنائه.. فالحقيقة المرة التي كتبها ابنه عمر أن الحياة تكون أكثر لذّة حيثما كان والدي بعيدا وبعيدا جدا.
المرأة العربية سريعا ما تستسلم للرجل، تمنحه الحب والأنوثة والأمان والدفء، وبكلمات حب قليلة من رجل ما يمكن أن ترهن حياتها من أجله إخلاصا وتفانيا.. في شهادات نجوى غانم أيضا تلمس الحب الدفين لزوجها أسامة، والذي تصفه دائما بأنه رقيق ولطيف.. هذه الصورة تضعها كثيرا المرأة العربية للزوج، أيا كان هذا الزوج، لأن الثقافة المجتمعية كلها تصب في أن هذا الزوج هو الذي يعطي لحياة المرأة معناها.
هذه النظرة صاغها مفكرون كبار، فالعقاد مثلا يرى أن المرأة لا تكتمل إلا بجزء مهم يمنحه إياها الرجل، كان العقاد في هذا الجزء يتحدث تحديدا عن العلاقة الجنسية.
هناك أمثلة مجتمعية أيضا تعزز هذه النظرة فالمثل المصري الذي يقول: ظل راجل ولا ظل حيط، يلقي الضوء على أن وجود الرجل محور أساسي في حياة المرأة.
صورة أخرى أيضا وضعتها الكاتبة الأمريكية مرغريت ميتشل في روايتها “ذهب مع الريح” الرواية الصادرة في ثلاثينيات القرن الماضي، فالمرأة بحسب سكارليت تتلخص حياتها الزوجية في أن تطبخ طعام الرجل، وتكنس منزله، وتلد له في نهاية كل عام مولودا جديدا.
صحيح أن هذا النموذج لا ينطبق على المساحة الواسعة في البلدان العربية، لكنه أيضا ينطبق على مساحة معينة على اختلاف بسيط في الشكل والنوع.
07:04
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.