كيف تكشف اليمن مستقبل السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط؟ مركز دراسات أمريكي يجيب
ترجمة تحليل كتبه واحد من كبار المحللين الأمريكيين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة:
قال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إن مستقبل السياسة الأمريكيَّة في الشرق الأوسط ليست في سوريا بل تقرأ في اليمن.
وكتب التحليل، الذي ترجمه يمن مونيتور” جون بي. ألترمان وهو واحد من كبار المحللين الأمريكيين في الأمن العالمي، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز، وقال إنه وعلى الرغم أن هناك نحو 2000 جندي أمريكي في سوريا ملتزمين لمدة غير محددة بحماية ما تم تحريره من مناطق كانت خاضعة لما يعرف بتنظيم داعش الإرهابي، واهتمام كبار المسئولين الأمريكيين بالشأن السوري وقيامهم أحيانا بالتنسيق مع خصوم الولايات المتحدة وأحيانا القيام بمواجهتهم، يتعين على من يريدون معرفة اتجاه سياسة الولايات في المتحدة بالشرق الوسط في المستقبل أن يتجهوا بأنظارهم نحو اليمن وليس سوريا.
ويضيف المركز، إن ما يشهده اليمن لا يختلف كثيرا عما تشهده سورية، فالدول حليفة أمريكا المحيطة باليمن تشعر بالخطر، كما أن عدد الإرهابيين يتزايد في اليمن وهناك تدخل من جانب الإيرانيين، وبدون شك يؤثر اللاجئون من سوريا على أوروبا، التي تعتمد أيضا اعتمادا كبيرا على الملاحة التي تمر بالساحل اليمنى. كما أن المعاناة الإنسانية في اليمن وسوريا شديدة تماما، فعدد الضحايا في سوريا يتزايد، وفي الوقت نفسه هناك مليون شخص يعانون من الكوليرا في اليمن،
ولكن أولئك الذين يتطلعون إلى رؤية سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يجب أن يتجهوا إلى اليمن وليس سوريا. ففي اليمن، عالجت الحكومة الأمريكية النزاع على أسس تجارية بحتة. فهي تعيد تزويد الطائرات الحربية بالطائرات الحربية، ويبيعها الأسلحة، ولا يفعل شيئا آخر. ويضطلع الجيش الأمريكي بضربات على تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة بتعاون مع الحلفاء العرب. إن شدة الدبلوماسية التي يراها الجميع حول سوريا غائبة، وكان ذلك منذ موجة من المشاركة الأمريكية في الأشهر الأخيرة من إدارة أوباما. ولا توجد كثافة الدبلوماسية التي يراها المرء حول سوريا، ويبدو أن الولايات المتحدة ترى أن مشكلة اليمن يصعب حلها، ويتعين على المشاركين في القتال أن يجدوا لها الحل بأنفسهم.
لذلك فإن نموذج اليمن هو النموذج الجديد لتعامل الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.
تباطؤ الحلفاء
وتابع المركز أن حلفاء الولايات المتحدة يظهرون متباطئين في تقدير ذلك، بالرغم من العلامات الواضحة. حيث يمكن للمرء أن يراها في نهج البيت الأبيض إزاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي يؤكد باستمرار على أن أي شيء يتفق عليه الطرفان فيما بينهما سيكون مقبولا من جانب الولايات المتحدة. ويمكن للمرء أن رؤية ذلك أيضا في تكرار الرئيس دونالد ترامب لفكرة أن الولايات المتحدة ضخت 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط منذ عام 2001 دون نتائج كبيرة. ولم يطعن أي من السياسيين أو صانعي السياسات أو الجمهور في هذا الرأي. وبغض النظر عن دقة هذا الرقم، فهناك إجماع متزايد بين جميع الأطياف في الولايات المتحدة على أن الشرق الأوسط كان استثمارا سيئا للغاية بالنسبة لها طوال الخمسة عشر عاما الماضية، وأن صبر من يقدمون الأموال قد نفد.
وإذا أخذنا اليمن مؤشراً لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنه ليس من الصعب تصور عدد من التداعيات. أول تلك التداعيات هو أن المساعدات الأمريكية من المرجح أن تتناقص. ويشير ذلك إلى إصرار الولايات المتحدة على أنَّ الولايات المتحدة تصر على أنها ستقوم بتمويل إعادة الإعمار في العراق، ولن تشارك في تمويل إعادة الإعمار في سوريا. ومن المرجح أن تكون المساعدات الإسرائيلية المباشرة آمنة. تشعر بتأثير ذلك بصورة غير مباشرة؛ حيث من المحتمل أن يكون من الصعب في السنوات المقبلة حصول الدول المجاورة مثل الأردن على الدعم الأمني الأمريكي القوى الذى كانت وما زالت تتمتع به، كما أنه من المحتمل أيضا أن يتقلص الدعم الأمريكي المستمر مذ فترة طويلة للسلطة الفلسطينية، فقد كانت الولايات المتحدة تدعم منذ عقود كل من حكومة السلطة الفلسطينية ومنظمات دولية مثل وكالة الغوث والتشغيل التابعة للأمم المتحدة(أونروا)، والتي ساعدت بدورها الشعب الفلسطيني، ويبدو أن تلك المساعدات التي تفيد الأمن الإسرائيلي أيضا، عرضة كذلك للتأثر.
وثانيا، بينما تتحدث الولايات المتحدة عن مواجهة جهود إيران لنشر نفوذها في الشرق الأوسط، فإنها ما زالت غير مستعدة للمشاركة بشكل مباشر في مثل هذه الجهود، ففي سوريا على وجه الخصوص، كانت الولايات المتحدة بطيئة في مواجهة حشد إيران العسكري وإمكانياتها في استعراض قوتها. لسنوات عديدة، دفعت الولايات المتحدة إلى دمج الدفاعات الإقليمية في الخليج من أجل ردع إيران. وقد تباطأت هذه الجهود بشكل ملحوظ، خاصة بسبب توترات مجلس التعاون الخليجي، التي لم تتمكن إدارة ترامب من تخفيفها.
نتائج القراءة
وثالثا، يبدو أن الولايات المتحدة لديها اهتمام متناقص بالانخراط في الدبلوماسية الإقليمية، التي لها آثار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهذا ليس مجرد انعكاس هائل في الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، حيث ظلت الدبلوماسية الأمريكية ثابتة لأكثر من نصف قرن. من المغرب إلى الخليج، كانت الولايات المتحدة شريكا أساسيا، وضامنا أمنيا، تمنع أي حروب داخلية. لذلك يبدو واضحاً أن انخراط واشنطن في حل الصراعات قد تضاءل بشكل ملحوظ.
لذلك من المرجح أن تسفر السياسة الجديدة التي يتم قراءتها في اليمن عن عدة تأثيرات؛ الأول هو أن الولايات المتحدة سيكون لها تأثير أقل على شكل الصراعات في الشرق الأوسط. ومن خلال مشاركتها العميقة، يمكن للولايات المتحدة لعقود من الزمن أن تؤثر على التحالفات، وتحفز السلوك الإيجابي، وتثني الأعمال غير المسؤولة.
أما التأثير الأخر فهو أن هناك تأثيرا آخر لتراجع مشاركة الولايات المتحدة في شؤون منطقة الشرق الأوسط، وهو أنه من المحتمل أن يكون لدول أخرى نفوذ في المنطقة أكبر من النفوذ الذي تتمتع به في الوقت الراهن. فلن تكون روسيا والصين الدولتين الوحيدتين اللتين ستسعيان لملء الفراغ الذي تخلفه الولايات المتحدة، ولكن ستفعل ذلك إيران أيضا، وربما تحذو حذوها دول مثل فرنسا والهند. وسوف تتبنى هذه الدول سياسات تعزز من أجنداتها، وستقوم في أوقات معينة بتقويض مصالح الولايات المتحدة.
وقال المركز إن من المحتمل أن يتأثر أيضا الوضع العالمي للولايات المتحدة، فالدول التي تعتمد على إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط تعتمد أيضا على الولايات المتحدة لتأمين مصالحها هناك، وينطبق هذا على دول معادية محتملة مثل الصين وكذلك على حلفاء مقربين مثل اليابان وكوريا الجنوبية؛ فنفوذ الولايات المتحدة بالنسبة لهذه الدول هو بوجه خاص نتاج النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وإذا ابتعدت الولايات المتحدة عن نفوذها في الشرق الأوسط، فسوف يتعين عليها أن تتخلى عن بعض نفوذها في تلك الدول أيضا.
واختتم المركز التحليل بالقول: “إنه ما سبق ذكره من تداعيات لا يعتبر أمرا حتميا أو لا يمكن تغييره، لكن من الحماقة القول بأنه لا مجال للتفكير فيه، فالتغييرات الجارية في موقف الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط سيكون لها انعكاسات، ولن تؤثر هذه الانعكاسات على المنطقة فقط، ولكنها سوف تؤثر على الولايات المتحدة وحلفائها في العالم أيضا”.
المصدر الرئيس
The Yemen Model: The Future of U.S. Middle East Policy