ما الذي يمكن لتقرير خبراء مجلس الأمن تغييره في خارطة “الفوضى اليمنية”؟! (تحليل خاص)
بعد قرابة ثلاث سنوات من النزاع، يكاد اليمن، كدولة، أن يكون قد ولى عن الوجود. فبدلا من دولة واحدة، هناك دويلات متحاربة، يمن مونيتور/ صنعاء/ من عدنان هاشم:
يثير تقرير فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن، قراءة واضحة للمشهد اليمني وما آلت إليه الأوضاع منذ سيطرة الحوثيين على السلطة في سبتمبر/أيلول2014، لكن المواقف المحلية والدولية تجاه هذا التقرير ظلت إما متعلقة باتهام إيران بتزويد الحوثيين بالسلاح، أو تم الاقتباس منها بما يناسب ولاء المواقف ومصالحها، دون أن تبدي اهتماماً باليمن.
في 26 فبراير/شباط الجاري سيقوم مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة لمناقشة ما جاء في التقرير وقبل هذا التاريخ يفترض أن تكون هناك مناقشات حول ما ستؤول عليه الأوضاع في اليمن في الفترة القادمة وصيغة مشاورات جديدة بدعم إقليمي ودولي، في هذا الأسبوع أيضاً سيبدأ مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن مارتن غريفيث تحركاته بعد مغادرة إسماعيل ولد الشيخ.
يحاول هذا التحليل الإشارة إلى ما حمله التقرير الأممي الجديد ومقاربته بما يحدث في المشهد اليمني ضمن السياقات المحلية والدولية، وعلى إثر ذلك يتوقع ما يمكن أنّ يحدث خلاله في المجلس الأمن الدولي.
أولاً: جرس الإنذار الكبير
يدق التقرير جرس إنذار كبير حول تفكك وتهاوي الدولة اليمنية، ففي موجز التقرير قال الفريق: “بعد قرابة ثلاث سنوات من النزاع، يكاد اليمن، كدولة، أن يكون قد ولى عن الوجود. فبدلا من دولة واحدة، هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية ما يمكّنه من إعادة توحيد البلد أو تحقيق نصر في ميدان القتال”.
تشير هذه الفقرة إلى أنّ “الحل العسكري” أصبح من المستحيلات في اليمن، كما أن إمكانية وجود حلّ سياسي لا يضمن تواجد كل الكيانات بما فيها الكيانات الجديدة سيصبح مستحيلاً أن تدوم أي اتفاقية سلام.
يلفت التقرير النظر إلى أن المناطق المحررة الخاضعة “فرضاً” لسيطرة الحكومة الشرعية هي منطقة تعاني فوضى كبيرة، التشكيلات المسلحة التي تعمل بالوكالة معظمها مدعومة من الإمارات العربية المتحدة وراء “تآكل الشرعية” كما أن المجلس الانتقالي الجنوبي -المدعوم أيضاً من الإمارات- وراء يبسط نفوذه كسلطة بديلة، إلى جانب انتشار تنظيم القاعدة ومايسمى بتنظيم الدولة. وتعيش هذه المناطق حالة من الانهيار الأمني واللاستقرار وتزايد عمليات الاغتيالات لأسباب سياسية -حيث قدم التقرير ملحقاً لبعض هذه الاغتيالات.
بالمقابل يرى التقرير أن الحوثيين يسعون ” من أجل تشديد قبضتهم على صنعاء وجزءٍ كبير من المناطق المرتفعة” بعد قتلهم لشريكهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. بمعنى أن فالفوضى لم تعد في مناطق سيطرة الحوثيين بل في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية؛ ليَسوّق الخبراء أن هذه نتيجة ثلاث سنوات من التحالف العربي!
ثانياً: عقوبات
يقوم عمل اللجنة بفرض عقوبات على من يهدد أمن واستقرار اليمن، أو يقوم بعرقلة أو تقويض نجاح عملية الانتقال السياسي، على النحو المبين في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والاتفاق المتعلق بآلية التنفيذ، المهددين للأمنين الإقليمي والدولي، من ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان، من ارتكبوا حظراً لتوريد الأسلحة. وبما أن الحوثيين أخذوا نصيبهم كقيادات في الصف الأول إلا أنَّ المجلس قد يضيف قادة أخرين في الجلسة القادمة، في نفس الوقت يظهر التحالف العربي متملصاً من هذه العقوبات وربما قد نشهد أسماءً من القيادات الميدانية للحكومة الشرعية أو التشكيلات العسكرية الموالية للإمارات ضمن العقوبات، فهذه التشكيلات والقيادات توجه لها الاتهامات بالتعذيب مثل “النخبة الحضرمية” و”الحزام الأمني” و”النخبة الشبوانية”.
وبالفعل فإن هناك احتمال وضع كيانات “عسكرية” تابعة للإمارات ضمن العقوبات، فالفريق يرى أنَّ تلك “الكيانات تشكّل تهديداً للسلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن. وما لم تُعَد هذه القوات للانضواء تحت قيادة وسيطرة يمنيين مباشرين، وتوزَّع المرتبات والمعدات كلها عبر قنوات الحكومة اليمنية الشرعية، فإنها لن تكفل تماسك الدولة، بل ستزيد اليمن تمزقاً”.
وبالفعل كان التقرير أشار إلى وضع “محمد علي الحوثي” ضمن القائمة، محمد علي الحوثي يستوفي معايير الإدراج في القائمة نظراً لمشاركته في قيادة الأحداث التي أدت في النهاية إلى مقتل “علي عبدالله صالح” والتي اعتبرها التقرير تشكّل تهديداً للسلام والأمن في اليمن.
من ضمن المعايير أيضاً انتهاك سيادة القانون التي يقول التقرير إنها “آخذة في التدهور بسرعة في جميع أرجاء اليمن، بصرف النظر عمن يسيطر على إقليم بعينه. فقد نفذت كل من حكومة اليمن، والإمارات العربية المتحدة، وقوات الحوثيين – صالح، عمليات اعتقال واحتجاز تعسفية، وكانت وراء حالات اختفاء قسري، ومارست أعمال التعذيب”.
في نفس الوقت يقدم التقرير تلميحاً أن من الممكن رفع “أحمد علي صالح” من قائمة العقوبات الأممية، ويقول التقرير: “على الرغم من أن علي عبد الله صالح أصبح الآن في عداد الموتى، فمن المرجح أن يواصل خالد علي عبد الله صالح، الذي يعمل بالإنابة عن أحمد علي عبد الله صالح، السيطرة على ثروة أسرة صالح. وليس هناك حتى الآن ما يشير إلى أنه قد يستخدم تلك الثروة لدعم أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن”.
وكانت صُحف سعودية قد ألمحت إلى أنّ هناك جهوداً من هذا النوع من أجل العودة لقيادة حزب المؤتمر بدلاً من والده وتشكيل قوة عسكرية موازية (للجيش الوطني التابع للشرعية من أجل مواجهة الحوثيين). في نفس الوقت يقوم موالون لـ”صالح” بإطلاق حملة على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل رفع العقوبات عن “أحمد” المتواجد -نظرياً- في أبوظبي منذ فرض العقوبات عليه نهاية (2014).
لا يعتقد فريق الخبراء بأن لدى أحمد علي عبد الله صالح أو خالد علي عبد الله صالح أو أي فرد آخر القدرة على إعادة تشكيل شبكة علي عبد الله صالح- حسب التقرير.
في ذات الوقت يشير التقرير إلى قيادات في المقاومة الشعبية في تعز تواجه الحوثيين لكنها في نفس الوقت تملك تعاوناً مع تنظيمي القاعدة والدولة، ومن المستغرب فعلاً أنّ يتم حشر أسماء معادية لـ”أبوالعباس” ضمن قيادات تابعة له مثل “لواء الصعاليك في تعز” والذي يقوده حمود صغير.
ثالثاً: الشرعية ووحدة اليمن لم تعد أساساً
يشير التقرير إلى أن الشرعية تآكلت بشكل كبير للغاية “إلى حد أصبح مشكوكا فيه عنده ما إذا سيكون بمقدورها في يوم ما أن تعيد اليمن إلى سابق عهده، بلدا واحدا”.
ويستند الفريق في هذا التقييم إلى العوامل الأربعة التالية: (أ) عدم قدرة الرئيس هادي على الحكم من الخارج؛ و (ب) تشكيل ”مجلس انتقالي جنوبي“، ولديه هدف معلن وهو إنشاء يمن جنوبي مستقل؛ و (ج) استمرار وجود الحوثيين في صنعاء، وكثير من مناطق الشمال؛ و (د) انتشار عمليات مستقلة من جانب قوات عسكرية تعمل بالوكالة يمولها ويمدها بالسلاح أعضاء التحالف.
والحل في ذلك هو معالجة هذه العوامل الأربعة، ولا يبدو أن تحركاً في هذا الإطار سيتم الآن بل كان يمكن أن يحدث ذلك في مراحل سابقة. وفي 13 فبراير/شباط2017 كان آخر تواجد للرئيس هادي داخل الأراضي اليمنية، ما يمثل اعتلالاً في شرعيته. وفي ذات الوقت كان لتشكيل لجنة ثلاثية تضم اليمن والإمارات والسعودية أثَّر بالغ في مصادرة شرعية “هادي” بمصادرة قراراته.
إضافة إلى ذلك يرى التقرير: “على الرغم من أن القوات المسلحة التابعة للحكومة الشرعية ما زالت موجودة في جميع محافظات الجنوب الثماني (أبين، وعدن، والضالع، وحضرموت، ولحج، والمهرة، وشبوة، وسقطرى)، فإن عدداً من الجهات الفاعلة الأخرى، ومنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية، ومعارضون من القبائل، والمجلس الانتقالي الجنوبي المنشأ حديثا،ً والقوات المقاتلة بالوكالة عن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، تجعل من الصعب على الحكومة الشرعية أن تحكم وتفرض سلطتها.
ويقول التقرير إن الإمارات ترى “في قوات الحزام الأمني و”النخبة” ركائز أساسية لاستراتيجيتها الأمنية في اليمن. ويستمر هذا النهج في تهميش المؤسسات الحكومية، مثل مكتب الأمن القومي، وجهاز الأمن السياسي، وهو ما يزيد في تقويض قدرات الحكومة الشرعية الأمنية والاستخباراتية والحد منها”.
نتيجة للتقرير فإن من المحتمل إعادة النظر في القرارات الأممية المتعلقة ب”شرعية” الرئيس عبدربه منصور هادي، إذ أن تمسك المجتمع الدولي بها كان لغرض حماية البلاد واستعادة مؤسسات الدولة وبما أنها تفتقر بعد ثلاث سنوات من الحرب إلى القوة والقدرة فإن الاعتماد عليها “مشكوك فيه”. وما يؤكد هذا الاحتمال ما أشار إليه التقرير: ” بأن طول أمد الحرب، وعدم إحراز تقدم عسكري، والانقسامات التي ظهرت، تجعل الانفصال من أجل تشكيل يمن جنوبي احتمالاً حقيقياً الآن. وعلاوة على ذلك، أُضعفت إلى حد بعيد، خلال عام ٢٠١٧، قدرة الحكومة الشرعية على إدارة وحكم المحافظات الثماني التي تدّعي أنها تسيطر عليها. والحالة في عدن والمهرة تقدّم مثالين قويين على خلفية هذا الاحتمال”.
في نفس الوقت انهار الاقتصاد اليمني وتدهورت قيمة “الريال” إلى أسوأ مرحلة لها، وفشلت الحكومة في تسديد المرتبات والأجور كما فشلت في إدارة البنك المركزي اليمني بعد نقله إلى عدن في سبتمبر/أيلول2016. يعاني الحوثيون من نفس الإشكاليات المتعلقة بالموارد وتسليم المرتبات.
وفي النهاية قد يفرض المجتمع الدولي حلاً يشبه إلى حدٍ كبير “مبادرة” وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، والتي رفضتها الحكومة وقبلها الحوثيون. وفي نفس الوقت المجتمع الدولي منقسم الآن بصورة كبيرة ولا يمكن توقع قرارات دولية صارمة.
رابعاً: الصواريخ الباليستية
يقول الفريق إنه وثق مخلفات قذائف، ومعدات عسكرية متصلة بها، وطائرات عسكرية مسيرة من دون طيار، ذات أصل إيراني، جُلبت إلى اليمن بعد صدور الحظر المحدد الأهداف المفروض على الأسلحة. ونتيجة لذلك، يرى الفريق أن إيران أخفقت في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع توريد صواريخ باليستية من نوع (Borkan-2H)، وصهاريج تخزين ميدانية لمؤكسد سائل ثنائي الدفع للقذائف، وطائرات عسكرية مسيرة من دون طيار من نوع أبابيل – تي (Ababil-T) (قاصف – 1) أو بيعها أو نقلها إلى تحالف الحوثيين – صالح آنذاك.
ونتيجة لهذا النص في تقرير فريق الخبراء يدرس مجلس الأمن إدانة إيران ليس لأنها قامت بتوريد السلاح للحوثيين، بل لأنها لم تمنع توريد الصواريخ والطائرات للحوثيين. ويبدو من أن هذه الإدانة بالرغم من أنها لا تشير إلى الحكومة الإيرانيَّة بل إلى جهات مجهولة، ستصطدم بروسيا حليفة إيران في سوريا.
خامساً: العملية السّياسية والانتصار العسكري
منذ يوليو/تموز 2016 لم يحرز تقدم في جهود الأمم المتحدة من أجل السلام في اليمن، ويقول التقرير إنه لم يحرز أي تقدم حقيقي نحو تحقيق تسوية سلمية. لقد توقفت العملية السياسية لأن جميع أطراف النزاع ما زالت تؤمن بأن بإمكانها تحقيق انتصار عسكري من شأنه أن يلغي ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية.
في نفس الوقت ما يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء ومُدن عِدة في الشمال ويحكمون السيطرة عليها منعاً لانتفاضة داخلية كما يأمل التحالف والحكومة الشرعية، ومع اشتداد الأزمة الإنسانية واتهام التقرير للتحالف باستخدام التجويع كأداة حرب، يبدو أن الضغط الدولي سيتواصل على التحالف لوقف العمليات العسكرية والخروج في النهاية باتفاق يخرج التحالف والحوثيين بماء الوجه.
ويرى التقرير أن أمام السعودية والتحالف عِدة خيارات: (أ) وقف الأعمال العدائية من جانب واحد وترك الحوثيين يسيطرون على الوضع؛ أو (ب) شن هجوم بري ضخم دون ضمان تحقيق أي نجاح مع ما يترتب على ذلك من سقوط بعض الضحايا؛ أو (ج) مواصلة الغارات الجوية على أمل تحقيق نتائج مختلفة، وإن كان عدد الأهداف المتبقية الموثوقة، بعد مرور 33 شهراً من الغارات الجوية، يعتبر منخفضا جدا؛ أو (د) محاولة إحياء شبكة صالح في إطار ائتلاف مناهض للحوثيين. وعلى الرغم من أن خطوط المعركة قد تتغير قليلاً في الأشهر القادمة، نتيجة لانهيار تحالف الحوثيين – صالح، فإن الفريق لا يرى أن أي طرف في وضع يمكّنه من تحقيق انتصار عسكري حاسم.
ما يعني مجدداً فرض حل سياسي مع كل هذه الفوضى القادمة، وقد لا يعني في نفس الوقت بقاء اليمن موحداً، فالنتيجة ما حدث في سبتمبر/أيلول 2014 هي فوضى كاملة لن تسلم منها منطقة شبه الجزيرة العربية.