لم تكن المظاهرات التي كانت تجوب شوارع المدينة مقتصرة على الشباب.. كانت فتيات وبنات الارياف ينظمن مسيرات أسبوعية.. لذات الهدف المعلن في جميع ساحات وميادين الثورة بالمحافظات اليمنية.
حين تفجّرت ثورة الشباب لم أكن قد انتهيت من قراءة كتاب الحروب الكبرى بذريعة الإرهاب للكاتب الكبير روبرت فيسك والذي عمل مراسلاً لعدد من الصحف الغربية في الشرق الأوسط المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم لاسيما في العقود الأخيرة. ما بعد عام ٢٠١١ ليس كما قبله.. لا اعني فقط بشأن الأوضاع السياسية حتى الثقافية والإعلامية والتي أضحت اكثر ضحالة ورداءة من ذي قبل.. مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في إعداد المستخدمين في العالم العربي بعد ثورات الربيع كانت السبب الأبرز لنشوء ظاهرة التردي الإعلامي والثقافي.. ومن كانت له علاقة حميمية مع الكتاب يدرك حجم هذه الكارثة.
في ساعات متأخرة من المساء الأول في الساحة راودني شعور الكتابة على طريقة روبرت فيسك.. في قصاصة اوراق غير مرتبة .. غلاف سيجاره روثمان.. كتبت: “نصبت اول خيام بساحة الحرية بمأرب، كان الشباب متحمسون للثورة، مصممون على بقاء الاعتصام حتى رحيل نظام علي صالح.. كان الاستاذ منصور هندروس والاستاذ مرزوق ابو سعد والصديق صالح بن عبود والاستاذ تركي نمران وعبد الوهاب نجل العراده من أوائل الشباب الذين نصبوا هذه الخيام”.. لاحقاً أصبحوا جميعاً وغيرهم الكثير.. ضمن كشوف الشهداء الذين استشهدوا وهم يقاتلون المليشيا على أبواب مدينة مأرب.
في ساحة الجامعة بصنعاء نصب الحوثيون خيامهم.. قالوا إنهم سيشاركون في ثورة الشباب السلمية.. في ذات الوقت كان يحيى وعبدالله وعبدالمجيد وأحمد سيف والمئات من شباب الاصلاح يقضون عدداً من الايام في ساحة مأرب، وأخرى في جبهة الجوف، يشاركون شباب محافظة الجوف في الدفاع عن مدينتهم امام زحوف مليشيا الحوثي.. استشهد الاستاذ والناشط علي محمد بلفغيم المرادي في أولى معارك الجوف كأول شهيد ارتقى في الجوف من أبناء مأرب. كان الناس يتحدثون عن فرضية مفادها أن قوات موالية لصالح تقدم التسهيلات لمقاتلي الحوثي.. الفرضية تلك أضحت حقيقة واقعية لاسيما بعد الانقلاب نهاية العام ٢٠١٤م.
لم تكن المظاهرات التي كانت تجوب شوارع المدينة مقتصرة على الشباب.. كانت فتيات وبنات الارياف ينظمن مسيرات أسبوعية.. لذات الهدف المعلن في جميع ساحات وميادين الثورة بالمحافظات اليمنية.
كانت الوفود تتقاطر من جميع المديريات إلى ذات الساحة، وكان أبرز المثقفين يعتلون المنصة معلنين انضمامهم ودعمهم لثورة الشباب، وحين اعتلى المحطوري ومفتاح منصة ساحة الجامعة بصنعاء وبشرا بالدولة المدنية على طريقة سيدهما عبدالملك، كان المثقف الصادر يعتلي منصة الساحة بمأرب ويلقي خطابة المليّ بمصطلحات الشبيبة والعدالة الاجتماعية والشراكة والمواطنة المتساوية.
ظلت يومذاك ساحة مارب عامرة بالنقاشات المفتوحة والندوات السياسية.. يحيها الاشتراكي ناجي الحنيشي والاصلاحي القبيسي وعلي بقلان الناصري.. وقد ذابت كل هذه المسميات الا من شباب فبراير.. وكانت مأرب الصحيفة الشهرية التي كان يحررها علي الغليسي.. قد اصبحت في الساحة صحيفة أسبوعية تضم أبرز الاخبار وتستقبل مقالات واراء القراء..
في ١٨/ مارس من ذات العام انطلقت مسيرة سلمية كالعادة.. تجوب بعض شوارع المدينة وحين استقرت باب المجمع الحكومي كشف أنصار صالح عن حقيقة نظامهم وليضرموا النار في المسيرة الراجلة.. وليترجل محمد بن شايعه كأول شهيد في مأرب.. وأكثر من ستين مصاب منهم من لاتزال جراحه تنزف حتى الآن كعميد الجرحى عبيد الناتي.. ورغم كل هذا فقد احتفظ الشباب بطهر الثورة ورفضوا حرف قطار الثورة..
في الذكرى السابعة لثورة فبراير سلام الله على أرواح الشهداء الذين اعتلت أرواحهم وهم ينشدون الدولة العادلة..
سلام الله على أرواح من تبعهم، الذين استشهدوا وهم يدافعون عن الحلم..
سلام الله اولئك المرابطين القابضين على الزناد يدافعون عن الوطن والحلم..
*مقال خاص بـ”يمن مونيتور” ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.