مستقبل “عدن” قاتم ينتظر إجابة العديد من الأسئلة (تحليل)
معهد أمريكان انتربرايز نشر اتفاق مُشاع بين التحالف العربي والمجلس الانتقالي
يمن مونيتور/ صنعاء/ تحليل خاص:
في وقت يستمر تجاذب الأحداث في مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة جنوبي البلاد، يظهر مستقبل المدينة الساحلية قاتماً، إلى جانب باقي مُدن البلاد.
انتقلت المعركة من صراع سياسي منذ مايو/أيار2017 عندما أُعلن عن تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي كسلطة موازية للحكومة المعترف بها دولياً، إلى حرب شوارع مع مطلع العام الحالي، كانت كتلتين حربيتين تقليديتين بدأتا بالتشكل جنوباً، الحزام الأمني التابع للإمارات والذي ينتمي معظم أفراده لمحافظة الضالع، والجيش الوطني الممثل بقوة الحماية الرئاسية وبالرغم من كونه ينتمي لمعظم محافظات الجنوب إلا أنه موالي للرئيس عبدربه منصور هادي الذي ينتمي لمحافظة “أبين”. وسبق أن عانت عدن من حرب أهلية طاحنة أودت بحياة 13 ألف مقاتل خلال أيام في صراع على السلطة بين المحافظتين في يناير 1986.
وتفرض قوة الحزام الأمني التابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” -تتلقى الدعم من أبوظبي- قصر “معاشيق” سيطرتها في المدينة حيث تقيم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بعد أن نكثت قوات الحزام الأمني هُدنة طلبها التحالف العربي (الداعم للشرعية) وهاجم مقر اللواء الرابع حماية رئاسية، وعاث فيه خرباً ونهباً قبل تسليمه لقوات محايدة.
قالت وزارة الصحة العامة والسكان، اليوم الخميس، إن المواجهات المسلحة في عدن خلفت 29 قتيلا و315 جريح من المدنيين والعسكريين. وهي أيام دامية لم تشهد عدن مثل رعبها منذ طرد الحوثيين من المدينة في يوليو/تموز2015.
وحسب مصدر حكومي تحدث لـ”يمن مونيتور” فإن وفداً من التحالف العربي وصل إلى مدينة عدن من أجل جهود وساطة رأب الصدع بين الطرفين. ولم تحدد بعد نوعية الجهود التي يمكن أنَّ تُبذل في وقت تظهر الحكومة محاصرة في “معاشيق” إذ أن ذلك لا يبدو أنه سيكون سهلاً.
وأشار مصدر حكومي آخر لـ”يمن مونيتور” إلى أن حديث عن تسويه تُعيد الأوضاع إلى ما قبل 30 يناير/كانون الثاني2018، وتحتفظ قوات المجلس الانتقالي بقوتها، وطريقة تعاملها كسلطة موازية لحكومة أحمد عبيد بن دغر.
لكن ذلك لا يوقف تجدد المعارك بل يفتح أفق جديد لمعارك أشد ضراوة لا تتهدد فقط أعضاء الحكومة بل تهدد بقاء المدينة وبقاء النسيج الاجتماعي المتعايش في داخلها.
وفي كل الحالات فإن الخروج بحلّ سيضعف بالتأكيد الحكومة المعترف بها دولياً، وسيمثل ترميماً لصورة “الشرعية” التي تعرَّضت لتجريف لم يسبق أن تعرَّضت له خلال ثلاث سنوات مضت، ويشبه هذا التجريف والاستهداف ما فعله الحوثيون بالسيطرة على العاصمة صنعاء ومحاصرة الرئيس في منزله خلال الفترة بين سبتمبر/أيلول2014 وفبراير/شباط2015.
السؤال الذي يُطرح الآن: إلى أين ستذهب عدن؟!
يمكن تقسيم الإجابة على هذا التساؤل حسب الزمن إلى الأيام القادمة ومع الوقت، فخلال الأيام القليلة القادمة قد تذهب عدن في إحدى مسارين:
المسار الأول: اتفاق سلم وشراكة ويشبه إلى حدٍ بعيد الاتفاق الذي وقعته الحكومة في سبتمبر/أيلول 2014 مع الحوثيين عقب اجتياح العاصمة صنعاء، ويعطى المجلس الانتقالي ما نسبته ثلث الحقائب الوزارية على الأقل، إلى جانب إقالة حكومة أحمد عبيد بن دغر. ويبدو أن التحالف يدفع بهذا الاتجاه.
ونشر معهد أمريكان انتربريز للدراسات (أمريكي) إشاعات متداولة عن اتفاق بين “المجلس الانتقالي الجنوبي” ولجنة من التحالف العربي وصلت الأربعاء إلى عدن لمعاينة اتفاق وقف إطلاق النار. ويشير إلى عديد نقاط، ويمنح الاتفاق المُشاع الجنوب المزيد من الحكم الذاتي والقوة العسكرية الخاصة به لكن يبقى تحت شرعية عبدربه منصور هادي. كما نص الاتفاق بالسماح للحكومة المعترف بها دولياً باستئناف مهامها خلال فترة انتقالية، إلى حين تمكن التحالف العربي والمجلس الانتقالي من إنشاء حكومة تكنوقراط. وسيتم السماح للقوات الحكومية الموالية للرئيس هادي بالعودة إلى قواعدها العسكرية بشكل مؤقت حتى التعافي من ردود فعل الاشتباكات الأخيرة ثمَّ عليها مغادرة الجنوب. وكانت عمليات تبادل أسرى يبن الطرفين قد تمت يومي الثلاثاء والأربعاء.
ولم يستطع “يمن مونيتور” التأكد من هذه المعلومات من مصدر مستقل. لكن مصدر حكومي نفى بشكل قطعي أن يكون ذلك حدث. واليوم الخميس جدد الحكومة اليمنية اتهامها للمجلس الانتقالي بمحاولة الانقلاب وعرقلة أداء الحكومة.
المسار الثاني: عودة القتال مجدداً في عدن، وسيأتي هذا الأمر في حال فشل التحالف العربي في جهود المسار الأول. ويعني هذا بالتأكيد انسحاب القوات من جبهة الساحل الغربي للبلاد، وحسب وثيقة فإن قادة الألوية الستة التابعة للحكومة وتقاتل الحوثيين في الساحل الغربي فقد هددوا بالانسحاب إلى عدن في حال لم يوقف التحالف الاقتتال في المدينة.
وتعتقد نهى أبوالذهب وهي باحث في معهد بروكنجز للدراسات أن إيجاد حد لما تدعمه دولة الإمارات العربية، يمكنه أن يساهم في تخفيف الاحتقان.
ويرى يزيد الصايغ، وهو من كبار الباحثين في معهد كارنيجي للسلام أن السبب وراء كل ذلك عدم وجود استراتيجية للسعودية والإمارات وأدت في النهاية إلى اقتتال بالوكالة في اليمن.
وبدون هذه الاستراتيجية الموحدة التي تعيد أهداف التدخل العسكري يمكن أن تستمر البلاد في دوامة من الحروب.
أما على المدى القريب فإن أحداث عدن أدخلت البلاد في مستنقع خطير يفتح شهية بقية المحافظات بالذهاب نحو التفتيت. وإذا ما حدثت مصالحة “اتفاق سلم وشراكة” فإن من الصعب أن تقوم الحكومة اليمنية بمهامها في ظل وجود حكومة موازية تقوم ببناء دولة مختلفة. وفي نفس الوقت فقد أحدث ذلك شرخاً كبيراً داخل التحالف لا يمكنه التعافي منه.
بغض النظر عما ستؤول إليه الأحداث في عدن إلا أنها قطعت شوطاً كبيراً نحو تمزق البلاد وتشرذمها جنوباً، لقد دفع التحالف بنفسه نحو النهاية إذ أن الشرعية التي تدخل لأجلها تعرَّضت لأسوأ تجريف متعمد منذ ثلاث سنوات، لم يسبق أن فعل مكون قط ذلك إلا الحوثيين في سبتمبر/أيلول2014.