الثورة تهدد كيان المستبد والأنظمة العفنة ثمان سنوات من المخاض الثوري للربيع العربي، ثمان سنوات وتغيير الواقع يجري ببطء، صراع بين القديم والجديد، بين إسقاط وتغيير الأنظمة، وإعادة إنتاجها بصورة وشكل آخر لنفس المسوخ وإن لم يكن اسوأ.
الثورة مرجعيات قيم ومبادئ وأخلاقيات، الكل يعلنها مرجعيته، لا يتجرأ أعداؤها الإعلان عن مرجعيتهم المضادة والمغايرة، يلبسون رداءها، محاولين احتواء بعض أفرادها لينخروها من الداخل.
الثورة تهدد كيان المستبد والأنظمة العفنة، الديكتاتورية والأسرية، والاحتكارات الرأسمالية والقوى الرجعية، وكل المرجعيات المضادة للمواطنة والحرية والعدالة، فيتحالفون داخليا وخارجيا، إقليميا وعالميا، لتقويض أي فجر ثورة يبزغ قريبا أو بعيداً، وخاصة في الشرق الأوسط؛ الخوف من نهضة وتوحد هذه الأمة والرقعة الجغرافية والحضارية والتاريخية، التي تهدد الرأسمالية والصهيونية العالمية.
تدخلات النظام العالمي بأدوات إقليمية وتحالفات لتقويض الربيع العربي، ولجان تقصي وبحث، وما يدور في أروقة السياسيين والدبلوماسيين والمبعوثين الامميين، وما يحاك من مبادرات واتفاقيات وتنازلات كله يصب في اغتيال الثورة وتقويض مسار التحول.
محاربة الإرهاب إحدى الوسائل، لضرب أهم عمود وركيزة الثورة وهم الإسلاميين المعتدلين واليساريين، وإعادة إنتاج قوى الإرهاب بشكلها وصفتها الأخرى، التي لا يفصلها عن داعش والقاعدة غير شعرة معاوية، والقوى التقليدية القبلية والعشائرية، لتستخدم بتجريف قوى الثورة الحقيقية التي يتم اغتيالها وتصفيتها اليوم، فيتصدر المشهد كل ما هو سيئ.
هذه القوى التي تقدم نفسها بديلا لقوى الثورة متورطة بجرائم ضد الإنسانية، وأخلاقيات لا علاقة لها بقيم الثورة، بلدي اليمن مثالا واضحاً وجلياً، جنوبا وشمالا، التطرف العقائدي والطائفي والمناطقي، لا يستقيم وقيم الثورة، لا الحوثي يمكن أن يكون حالة ثورية، ولا ما يقابله من قوى عقائدية وطائفية مناطقية متطرفة تستطيع أن تلبي الواقع الثوري، لهذا ما يمارس في الشمال تجده في الجنوب وبدعم إقليمي، وقوى الثورة الحقيقية تزاح بالتدريج ليحل محلها متطرفون، ويمارسون أبشع مما مارسته الأنظمة السابقة تشويها وقتلا للثورة كقيمة ومبدأ وثقافة على الواقع.
تمكنت بعض دوائر في الإقليم من احتواء بعض قوى الثورة، والارتهان مصيبة الأوطان، خنقتها وجعلتها مجرد أداة في سيناريو أجنداتها تحركها حيث تشاء ووقت ما تشاء، لضرب الثورة في عمقها القيمي والأخلاقي والشرعي، ليتحول الوطن مجرد رهان على طاولة القمار، في خصومات الجانبية وصراعات هامشية وسلوكياتهم لا تحترم عقول من يمثلونهم ومن يخاطبونهم.
واقع بهذه الأدوات لن تجد فيه عقلا تخاطبه بمنطق، بعد تحييد رجاحة العقل وصوت المنطق، ستجد شططاً وشتماً واتهاماً، ستجد من يدافع عن المنتهك والمستبيح للأرض والعرض ببجاحة، الموقف الوطني والإنساني اليوم يواجه شراسة وعنجهية هذه القوى.
لا تستغرب أخي أن تجد من يبرر استباحة الأرض ومن يتنازل عن السيادة، ومن هو مستعد أن يفرط بالهوية، ومن يمارس العنصرية بأقذر صورها ضد الإنسانية بحجج الماضي وبأدوات الماضي ذاتها لقتل الثورة وأدوات الحاضر، خذلوا الثورة وكانوا أدوات رخيصة للاستخدام، واليوم يستبدلونهم بذرية المستبد.
وما زال المخاض قائما، والثورة مستمرة، لن يستسلم أحرارها لهذه المخططات، وأمامهم تحديات جسام، سينتصرون عاجلا أم أجلا، إنها إرادة الناس، إن استطاعوا خداعهم بعض الوقت لن يستطيعوا خداعهم كل الوقت، فقد بدأت تنفرط الناس من حولهم ويعود الكثير لصوبة ولمجرى الثورة، وثورة حتى النصر.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.