صحافة

ياسين التميمي: الحرب في اليمن محاولة (سعودية – إماراتية) لتصحيح أخطاء استراتيجية سابقة

مع اقتراب قطار معركة تحرير اليمن من الوصول إلى محطة العاصمة “صنعاء”، لتخليصها من قبضة المتمردين الحوثيين “الشيعة المسلحة” المدعومين من المخلوع عبد الله صالح ومن ورائه إيران، حرص “شؤون خليجية”، على إجراء حوار خاص مع الكاتب والباحث السياسي المتخصص في الشؤون اليمنية “ياسين التميمي”، ليطلعنا على آخر تطورات المشهد اليمني، وهل قاربت بالفعل معركة الحسم من الانطلاق، أم أن هناك عودة لطاولة المفاوضات ستحدث لمحاولة إشراك الحوثيين والمخلوع مرة أخرى في العملية السياسية؟

يمن مونيتور/ شؤون خليجية 
مع اقتراب قطار معركة تحرير اليمن من الوصول إلى محطة العاصمة “صنعاء”، لتخليصها من قبضة المتمردين الحوثيين “الشيعة المسلحة” المدعومين من المخلوع عبد الله صالح ومن ورائه إيران، حرص “شؤون خليجية”، على إجراء حوار خاص مع الكاتب والباحث السياسي المتخصص في الشؤون اليمنية “ياسين التميمي”، ليطلعنا على آخر تطورات المشهد اليمني، وهل قاربت بالفعل معركة الحسم من الانطلاق، أم أن هناك عودة لطاولة المفاوضات ستحدث لمحاولة إشراك الحوثيين والمخلوع مرة أخرى في العملية السياسية؟
كما يوضح “التميمي” في حواره دور الإمارات الحقيقي الملتبس في اليمن، ويتحدث عن حزب الإصلاح– إخوان اليمن- ومشاركته في المقاومة الشعبية في ظل إنكار البعض، ويفسر صعوبة تحقق دعوات الانقسام، وانفصال الجنوب في ظل قرارات أممية وعربية تؤكد على وحدة اليمن..
وإلى نص الحوار…
** هل قاربت معركة تحرير صنعاء على الانطلاق بالفعل؟ أم أنه من الممكن أن تكون هناك عودة لطاولة المفاوضات، في ظل محاولات ووساطات خليجية وأممية؟
* معركة “استعادة صنعاء” هي معركة مصيرية للتحالف والمقاومة الشعبية على حد سواء، وتبدو وشيكة، وفقًا لجملة من المؤشرات التي تعزز هذا الاحتمال، خصوصًا الترتيبات الأمنية التي يتخذها الانقلابيون في صنعاء، حيث يجري إخلاء البيوت من ساكنيها في المربعات الأمنية وفي محيط منزل المخلوع صالح، بحجة أنها قد تتعرض للقصف، علمًا بأن بعض هذه المنازل تبعد نحو كيلو متر عن منزل المخلوع، وثمة معلومات لا يمكن التيقن من مدى دقتها، تتحدث عن أن الحوثيين فوضوا المخلوع صالح بقيادة عملية الدفاع عن صنعاء.
والذي يدفع إلى التعمق في هذه المعلومات، هو أن هذه المعركة قد لا تكون عسكرية فقط، بل سياسية، مما يعفي الميليشيا الحوثية من هزيمة محققة، ويمنح المخلوع فرصة لمناقشة أي من الترتيبات السياسية التي قد تطرح لتجنيب صنعاء معركة طاحنة.
وأعتقد أن التحالف العربي ماض بشكل كبير نحو تنفيذ أهدافه العسكرية، ولابد من تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 بقوة السلاح، وليس عبر مفاوضات أو تسويات سياسية، فالحلول السياسية تأتي لاحقة لإنجاز الحل العسكري، فلابد من القضاء تمامًا على الحوثي وعلي عبد الله صالح وأذنابه، ولابد من إخراجهم من المشهد، وإقصاء الحركة الحوثية عسكريًا، فلم يعد من الممكن العودة إلى مخرجات الحوار الوطني مرة أخرى..
ولابد من استثمار الانتصار العسكري الاستثمار الأمثل لصياغة صيغة سياسية جديدة، لا تعتمد بالضرورة على مخرجات الحوار الوطني، الذي جعل من هؤلاء شركاء، ولكن لا يمكن العودة لهذه النقطة مرة أخرى، ولكن يمكن أن نؤسس لدولة يمنية تكون مظلة للعيش المشترك للجميع.
أما بالنسبة للمفاوضات فأود أن أشير إلى أن الرئيس عبد ربه هادي صعد أمس الأول، في تصريحات صحفية له، اللهجة ضد إيران، وأننا نود وقف التوسع الإيراني بالمنطقة من خلال القضاء على الحوثي، وهو يقطع الطريق أمام العودة للمفاوضات.
** كيف ترون مستقبل وحدة اليمن في ظل الحرب والانقسام الداخلي والتدخل الإقليمي والدولي، وهل صار تقسيم اليمن أمرًا واقعًا؟
* الوحدة اليمنية من القضايا الجوهرية، والتي تدخل في صلب المشهد اليمني وتتحكم في مفاصله بشكل أساسي، وواحدة من القضايا التي تتمحور حولها الأزمة اليمنية في الوقت الراهن، بالرغم من تصاعد الحديث عن الانقسام، أعتقد أن دونها تحديات كثيرة.
فقد تدخل التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، تحت لواء الوحدة اليمنية وإعادة الشرعية، والقرارات الدولية التي تؤكد على وحدة اليمن واستقراره.
وبالرغم من تأكيد كل القرارات الدولية، ومؤتمر الحوار الوطني، واتفاق الرياض، إلا أن مآلات الأحداث قد لا تضمن هذا بشكل كبير، وقد تؤدي للخروج عن المسار الذي رسم للتحالف العربي، فهناك من يتآمر على أمر الوحدة اليمنية والدولة اليمنية، ويحاول استعادة دوره ونفوذه، هذا الطرف بالتحديد هو المخلوع صالح ومن خلفه مؤسسات الدولة العميقة ومعه ميليشيات الحوثي، والذين استغلوا سيطرتهم على مفاصل الدولة، استطاعوا وضع أفخاخ كثيرة أمام تطبيع الحالة اليمنية وإعادة الثقة بين الشمال والجنوب.
ولكن هناك من عقلاء اليمن وكذلك أبرز التيارات السياسية تدفع في اتجاه إقرار صيغة فعالة وديناميكية للوحدة اليمنية، تعتمد بشكل أساسي على الصيغة التي أقرها الحوار الوطني “وهي صيغة الأقاليم الستة”، والتي شدد الرئيس اليمني مؤخرًا على أنها التي سيتم اعتمادها في المرحلة المقبلة فيما بعد التحرير.
** السعودية هي من تقود التحالف العربي، ولكن برز دور الإمارات مؤخرًا وبقوة.. فكيف تقيمه؟
* يثير الدور الإماراتي في اليمن جدلًا واسعًا، بالنظر إلى الخلفية القاتمة لهذا الدور، والتي أظهرت الإمارات ضد إرادة اليمنيين في الحرية والتغيير والوحدة، وهو أمر لم يعد قائمًا الآن، وهناك تكامل ملحوظ بين أدوار دول التحالف.
كما طرأ على الموقف الإماراتي تطورات مهمة منذ أن قررت المملكة، في ظل قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، وأهمها التعاطي مع الملف اليمني بشكل مختلف انطلاقًا من الشعور بخطر يحاك ضد المنطقة من البوابة اليمنية.
ومع أن اليمنيين لم يتحرروا من الشكوك التي تحكم نظرتهم إلى الدور الإماراتي، فإن هذا الدور قد طرأ عليه تغير جوهري فعلاً، ويستند اليوم إلى قناعة أكيدة بضرورة استعادة الدولة اليمنية وضمان وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وقد ترجم هذا الدور بالحجم الهائل من الإسناد العسكري الذي قدمته الإمارات لمعركة تحرير عدن والمحافظات المجاورة.
ومع ذلك، لا يزال إرث الخصومة مع الإخوان المسلمين يطل عبر تصريحات النخب الليبرالية الإماراتية المتشددة، التي يبدو أنها تقف بعيدًا عن المشهد الجاري في اليمن، ففي حين واصلت هذه النخب التقليل من شأن المقاومة الشعبية في اليمن لاعتقادها بأنها لا تمثل سوى التجمع اليمني للإصلاح، فقد صدرت صحيفة البيان الإماراتية الجمعة الماضية، بافتتاحية قوية تحدثت عن يمن واحد وعن ضرورة تحرير صنعاء، استنادًا إلى الدور الأصيل للمقاومة.
الآن الإمارات منحت صلاحيات أكبر في عدن، أعتقد من أجل ضمان أو منع أي ظهور محتمل للقاعدة– مثلما يعتقد الأمريكان– إلى جانب أن الإمارات لها أجندة خاصة في السيطرة على مركز التجارة الحرة في عدن، التي قد تشكل منافسًا قويًا لمركز التجارة الحرة في دبي، ولكنه له كلفته أيضًا، فهي تدفع فاتورة إعمار عدن والبنى التحتية بشكل كبير هناك “مطارها.. ميناؤها.. والبنى الأمنية هناك”.
 
أحمد عبد الله صالح كان عضو غرفة العمليات التي تخطط لإجهاض ثورات الربيع العربي
في السابق، وقعت أبو ظبي كما الرياض في فخ الإدارة السيئة للملف اليمني، وتبنت الدولتان وسائل وأدوات خطرة في حسم هذا الملف من زاوية إجهاض الثورة، وتقليم أظافر القوى السياسية التي تقف خلفها، وما كان يجب أن يقع البلدان أبدًا في سوء التقدير هذا، خصوصًا وأنه قاد إلى جملة من التدابير غير المحسوبة، في محاولة لاحتواء التغيير الذي نُظر إليه على أنه مشروع الإخوان المسلمين السياسي في المنطقة.
وقاد هذا التوجه، المتمثل في محاولة استعادة إحياء النظام السابق وتمكينه من شؤون الدولة في اليمن، إلى نتائج خطيرة للغاية. فالمخلوع صالح، ما كان له أن يعود بشكل مباشر إلى واجهة الثورة المضادة، لأن ذلك من شأنه أن يفجر الأوضاع في البلاد، ولن يكون بوسعه حسم المعركة على هذا النحو السافر من الثورة المضادة.
لذا اقتضى الأمر إنجاز هذه الثورة المضادة، عبر تفويض ميليشيا الحوثي التي نشأت وفق أدبيات وتقاليد وأفكار الحرس الثوري الشيعي الإيراني.. اعتمد هذا الخيار على حقيقة الوجود المخادع للحوثيين في ساحات التغيير، بصفتهم جزءًا من الثورة التي اندلعت ضد المخلوع صالح.
هذا التوظيف المغامر لميليشيا مرتبطة بإيران، فتح المجال أمام طهران للتأثير في مجريات الأحداث في اليمن كما لم يحدث من قبل، وأكسبها أيضًا ورقة رابحة في سياق السباق المحموم على النفوذ في المنطقة، وهو التطور الذي دفع بالإمارات والسعودية إلى إعادة حساباتها تجاه التطورات الخطيرة في اليمن، فكان أن صار هذا التدخل العسكري الكبير الذي لم يتوقعه أحد.
 
لابد للإمارات أن تتبنى سياسات رشيدة تجاه الإصلاح
الآن.. تلعب الإمارات دورًا مهمًا في اليمن، وهذا يعزز من مكانتها الإقليمية، ويعظم من تأثيرها في صياغة مستقبل المنطقة في قادم الأيام. وهذا الأمر ينبغي أن يحفزها إلى تبني سياسات رشيدة تجاه مكونات المجتمع اليمني والقوى المؤثرة فيه، وفي المقدمة التجمع اليمني للإصلاح، إذ لا مصلحة من حشر هذا المكون الجامع في اليمن في زاوية ضيقة، وهو الذي أثبت خلال المنعطف الخطير الذي عاشه ولا يزال يعيشه اليمن، أنه صمام أمان للعملية السياسية، ولعملية الحسم العسكري ضد الميليشيا المرتبطة بالمشروع الإيراني التوسعي والمدمر في المنطقة.
وقد شارك بقوة في الحراك الثوري منذ اللحظة الأولى، ثم قبل بقواعد اللعبة الديمقراطية، وأظهر شراكة وطنية حقيقية، ولكن هناك إصرار على قهر هذه الأطراف السياسية الفاعلة.
التصالح مع قوى ومكونات المجتمع اليمني ضروري للمضي قدمًا في استعادة الدولة، وطي هذه الصفحة المظلمة من تاريخ اليمن، وضمان أن تستأنف الدولة اليمنية دورها على قاعدة الإجماع الوطني والتكامل الإقليمي، الذي يضمن المصالح الحيوية للمنطقة، ويرسخ أمنها الإقليمي.
** الجيش اليمني كان ترتيبه السادس عربيًا، وفجأة انهار وسلم مواقعه للحوثيين، كما سلم الجيش العراقي الموصل لـ”داعش”، هل نحن في زمن الجيوش العربية الفارة والهاربة؟
* الجيش اليمني كان يصنف هكذا بناء على “العدة والعتاد”، لكنه في الحقيقة جيش افتقد إلى البنية الوطنية المؤسسية والمهنية، وغرق في مستنقع حرب أهلية حقيقية تشهدها اليمن اليوم، ورأينا كيف تحول إلى ميليشيا يتم تنازع السيطرة عليه.
ما كان يظهر على السطح مغاير للحقيقة، فقد تحكمت في بنية الجيش سطوة العائلات، وبالذات عائلة “عبد الله صالح”، وأصبحت العقيدة القتالية لديه “مائعة” لحد كبير. وبعد أن كان ينظر إليه على أنه جيش وطني، قرر أن يحول في لحظة فوهة المدافع إلى شعبه في تعز وعدن والضالع وشبوة، وتحول إلى ذراع عسكري في يد ميليشيا الحوثي .
القوام البشري لهذا الجيش كان يتمركز في منطقة جغرافية يعينها وهي شمال الشمال، وينتمي أهلها إلى الطائفة الزيدية، والتي استغلت لاستثارة النزعات الطائفية مؤخرًا.
ولذلك كان تدخل القوات العربية مهمًا وحيويًا وقويًا، الضربات التي وجهها استطاعت أن تنهي هذه المهزلة، وكشفت أن الجيش لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وانهارت معظم أسلحته البحرية والجوية والبرية .. وانسحب محترفو الجيش من الوحدات العسكرية، وتحول فعلًا إلى مجرد مليشيات.
** الحديث عن قيادة الجنوب وسيطرتهم على العملية السياسية من رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء، هل يعني تهميش الشمال؟
* لا لم يكن مقصودًا سيطرة الجنوبيين على المناصب القيادية.. فمنصب رئيس الدولة جاء “عفويًا”، لأنه كان نائب المخلوع صالح والنائب كان جنوبيًا، وبالتالي عندما تم انتقال السلطة من المخلوع لنائبه أصبح الرئيس جنوبيًا.. ولكنه أسهم في تعميق الثقة بين الشمال والجنوب بعدما أخذت قضية الجنوب أبعادًا خطيرة جدًا، ولأجل احتواء التحركات التي كانت تدعو لانفصال الجنوب، جرى تكليف شخصية وطنية أخرى مثل باسندوة ليتولى رئاسة أول حكومة توافقية، وهو شخصية جنوبية أيضًا، ولكنها وطنية.. ثم تم تشكيل حكومة كفاءات، وأيضًا أتت بخالد بحاح وهو جنوبي من حضر موت.. كل ذلك كان يصب في مصلحة تمتين وشائج العلاقات بين مكونات المجتمع الوطني، وإعطاء مزيد من الثقة والطمأنة للجنوب.
ولكنها ليست هذه هي المشكلة، بالنسبة للشمال، فقد ظلت مفاصل الدولة القوية تهيمن عليها شخصيات شمالية، وتم توظيف الجيش والأمن لغير النزعات الوطنية.
وعلمنا أن المخلوع صالح كان يشرف على غرف عمليات تدير جزءًا كبيرًا من عمليات الحراك الجنوبي، وتظهر الرئيس هادي بمظهر الضعيف وغير الممسك بالأحداث، وتبين أن هناك بعض المرتزقة لصالح مصالحهم الخاصة.
بشكل عام قضية الحراك الجنوبي تبدو كأنها عائمة لا تستطيع أن تمسك برأس أو سهم من يحرك الجنوب ويطالب بالانفصال، ولابد من إجراءات عادلة تقوم على تأسيس صحيح لمشاكل الجنوب، وتوزيع الحكم العادل في الدولة اليمنية كلها.
** ما مكونات المقاومة الشعبية على الأرض؟
* يوجد حضور قوي لحزب “الإصلاح”، فهو “يعتبر القوة الصلبة في الميدان”، إلا إنه ضمن نسيج المقاومة الشعبية التي اجتمعت فصائل اليمن المختلفة فيه على أهمية دحر الحوثي، ولكنه لا يحتكر المقاومة، ولا يدعي شرف المقاومة بمفرده.
** كيف تقيم اللقاء الأخير بين نائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد بحاح، وقيادات من حزب الإصلاح في الرياض؟
* يأتي في إطار الترتيبات السياسية التي تسبق عملية التحرير، كما تريد الحكومة أن ترسل برسائل تطمينية للجميع، وربما كان يطمع بحاح في الحصول على وعود جديدة من قبل الإصلاح، الذي يمثل ثقلًا سياسيًا كبيرًا باليمن، فلا يمكن تحييد دوره، وإنما هناك محاولات لتدجين هذا الدور. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى