أخبريهم يا ماريا عن مدرستك التي صارت ثكنة عسكرية، عن الأقلام التي تحولت إلى خناجر، عن بياض دفاترك التي صار الليل يخرج منها ويسرق الشمس والدفء الأمان وضحكات الصغار وقلوب الأمهات! أخبرتهم الطفلة ماريا في “ذا فويس كيدز” أنها من اليمن.. فبكيت أنا.. شعرتُ كأنها مدت أناملها الصغيرة ومسحت بعض الدماء التي أخفت وهج وطنها ونطقت اسمه وضمته دون أن تشعر بغنة بريئة اختزلت كل الوجع، كل الحنين، كل الإنتماء الذي يولد مع الطفل دون تكلف.
أخبريهم يا صغيرتي أن هذا الصوت الذي نفذ إلى القلوب أولاً ورسم الابتسامة على وجوه الملايين، وهذه الملامح الطفولية الهادئة من اليمن.
اليمن البلد الذي يقتل فيها رفاقك بلا ذنب وهم يرددون نشيدا صباحيا للحياة.
أخبريهم أنك من اليمن، البلد التي تمطر سماؤها وترمي جبلها وأرضها موتاً للأطفال دون أمل في التوقف، أو رغبة فيه.
أخبريهم عن رفيقاتك اللواتي تخضبن بالدم في ليال العيد، وأرتدين الكفن بدلاً من الفساتين الملونة. وشنقن بظفائرهن وأهالوا عليهن التراب كمؤودات أبي لهب.
أخبريهم أن رفاقك يموتون في وطنك وفي أعينهم سؤال عتاب موجوع أي ذنب اقترفناه، لتفجع طفولتنا وتسلب بكل هذه الوحشية؟!
أخبريهم عن مدرستك التي صارت ثكنة عسكرية، عن الأقلام التي تحولت إلى خناجر، عن بياض دفاترك التي صار الليل يخرج منها ويسرق الشمس والدفء الأمان وضحكات الصغار وقلوب الأمهات!
أخبريهم يا ماريا أنك تحتاجين لوطن تكثر فيه المدارس والحدائق والفراشات.
أخبريهم أن لا ذنب لكِ ولأطفال اليمن بخلافات القرن الأول الهجري، وأنكم لم تحضروا مبايعة أبي بكر الصديق، ولم تؤيدوا ولايته، ولم تحملوا سيفاً في صفين، ولم تقولوا بخلق القرآن، وأنكم براء من دم الحسين.
أخبريهم أنكم لم تحفظوا أحاديث البخاري ومسلم ولم تطلعوا على الصحيفة العلوية، وأن كل ما تتسع له ذاكرتكم النشيد الوطني الذي رغبتم أن ترددوه كل صباح رددي أيتها الدنيا نشيدي.
لم يكن ذنبكم أنكم جئتم إلى هذه البقعة من الأرض التي لا تكف عن الخلافات والحروب، والتي لا ينظر فيها السياسيين إلى أعينكم، ولم يدركوا كم أنتم نعمة وأيقونة سعادة وصوت الله وابتسامته في الأرض.
أخبريهم ياصغيرتي أنك قادرة على الغناء والإبتسام وأنك نجوت من موجة موت لا تتوقف عن المد والمد فقط.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.