لو أُمّنت جبهة الحرب والثقة في القيادة الشرعية، المتمثلة بنائب رئيس الجمهورية المفوض، وقوته القبائلية المشتركة بين الإصلاح والمؤتمر، فقد يكون هناك مخرج مهم، للخطوة المركزية لإنقاذ اليمن.
لا نعرف إن كانت الانتكاسة الأخيرة لحرب اليمن، بعد اغتيال الحوثيين لعلي عبدالله صالح، وانهيار قوات وقبائل المؤتمر في وقت سريع، قد أعطى مؤشر تغيير للقيادة السعودية، لإعادة النظر في مجمل الموقف، الذي سبب هذا التورط في تحولات الحرب.
ونقصد أنها مراجعة مركزية شاملة تحتاج إلى طاقم سياسي وفريق تقني متخصص، لم نرصده اليوم، في ظل إشكاليات ممثلي الدولة السعودية، في منصات الإعلام الاجتماعي والحروب العبثية الشرسة التي يخوضونها، خاصة من بعد تفجير أزمة الخليج، وقرار استهداف قطر.
فمثل هذا التحوّل يحتاج إلى مراجعة ميدانية دقيقة، وجمع بين رؤية الداخل واستقطاب المجتمع الوطني، حقوقياً وتنموياً، وبين ترتيب أولويات مصالح السياسة الخارجية، فالمؤهل للقيام به هو هذا الفريق بعيد النظر، وهادئ التفكير وعميق الاستشراف.
ولكن يبقى جمع ولي العهد السعودي، لولي عهد أبوظبي شخصياً، وهو صاحب مشروع سحق العمل الإسلامي السني في كل دوله، وبين الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح، هو مؤشر في حد ذاته، على تقييم الأزمة الأولى في ساحة الحرب.
وكان من الممكن كما كتبنا وكتب غيرنا، أن تتم هذه المراجعة في وقت مبكر، وأن يُكسب الميدان لصالح الشرعية والوحدة الوطنية، عبر ضخ هذه الثقة وتسليم علي محسن الأحمر، القيادة المطلقة المدعومة والمؤمنة الظهر من أبوظبي، مبكراً، وقد دعونا لذلك منذ مطلع الحرب، لأجل تقصير أمد المعركة، وتأمين استقلال اليمن عن إيران، وسلامة المدنيين.
لكن هذا لم يجر في ذلك التوقيت المهم، وقد كان من الممكن أن تكون قطر التي أبدت استعداداً لذلك شريكاً مباشراً، في الدعم السياسي والإعلامي، لهذه العملية، والتي حين تُغير موازين الحرب، فلا بد من جلوس سياسي بعدها لكل الأطراف، تكسب به مسقط ويستفاد من غرفة المفاوضات الكويتية، بعد أن يكون الميدان قد تحول لصالح الشرعية بقوة، وسلِمَ المدنيين من أخطاء القصف المهلكة وبأساء الحرب المروعة.
ولم يحصل هذا، لسببٍ واضحٍ، هو موقف أبوظبي، وهو سؤال اليوم من جديد، هل هذا الاجتماع كافٍ لتأمين الثقة، فضلاً عن المعركة، وماذا إذا بادرت أبوظبي، بأي خطوة انقلابية ضد الشمال، خلال المعركة الجديدة، وهي تحاصر إلى اليوم هادي ومقاومة تعز، وحكومة بن دغر، وساهمت ميليشياتها في اغتيال وسجن عدد من قادة الإصلاح، كيف سيكون سير المعركة حينها؟
وما مصير اليمن حين يتحول الفصل الأخير، إلى حرب أهلية شمالية تلقي به إلى الجحيم الأخير؟
ولا نزال نقول: إنه لو أُمّنت جبهة الحرب والثقة في القيادة الشرعية، المتمثلة بنائب رئيس الجمهورية المفوض، وقوته القبائلية المشتركة بين الإصلاح والمؤتمر، فقد يكون هناك مخرج مهم، للخطوة المركزية لإنقاذ اليمن.
ونحن هنا نطرح الأمر، على أنه مقدمة ضرورية لخيار السلم السياسي، بين كل الأطراف بما فيهم الحوثيون، فالمشكلة القائمة اليوم بين أعيننا، أن الحوثي لا يقبل مطلقاً، بأي تنازل لصالح اليمن الجمهوري الوحدوي، ومخرجات الحوار الوطني.
وأن البنية التي يمارسها هي وصاية دينية قاتمة، ترتد لما هو أسوأ من عهد الإمامة، بحكم التحول الذي طرأ على الحوثيين وبعض القاعدة الهاشمية، وانتقالهم من مدرسة الاعتدال للإمام زيد، إلى التكفير الشيعي المتطرف، الذي يتباه قاسم سليماني وغيره، من مشاريع واجهات الجمهورية الإيرانية.
وبالتالي لا توجد لديه رغبة في أي توافق وطني، ينزع منه مفهوم، وصاية الإمامة الكبرى التي تحول اليمن، إلى سادة وتابعين، لا حكومة منتخبة ومواطنين دستوريين، ولذلك نطرح أهمية تغيير موازين الميدان لصالح الشرعية، للوصول إلى حل سياسي يشارك فيه الهاشميون أنفسهم، وينتهي إلى إعادة الاعتبار لليمن الجمهوري، كقناعة بفكرة الوطن التقدمي الحر، لا جمهورية علي عبدالله صالح، المروعة في إرثها وخسائرها الكبرى.
هذا الأمر يحتاج أن تحسم الرياض موقفها فيه، ليس لقبول أبوظبي بشراكة ضمنية للإصلاح، أو دفع لمواجهة الحوثي لحرب ضمن حرب أهلية شمالية، وإنما من خلال تحييد ميداني مركزي لخطة الحرب الشمالية، التي ستُهيمن على اليمن، بطبيعة القوة التاريخية، والاتفاق الثنائي المطلوب بين ولي العهد السعودي وبين الزعيم علي محسن الأحمر، وتدعيم الثقة المحتاجة بينهما.
فهل هذا مطروح اليوم بوضوح؟
وقد يطرح معترض كيف يكون ذلك، وأين مصالح أبوظبي ورهانها على تأميم الجنوب، ونقول هذا اعتراض في محله، لكن أبوظبي التي استُنزفت في حروبها مع إسلاميي الوطن العربي، بل وحتى العجمي في قضية تفجير المسجد الأحمر في باكستان، قد تفكر بمنطق مصالح الشركات، التي أدارت بها دبي وأبوظبي شؤونها زمناً طويلاً.
وعليه فإن من الممكن، أن يتم الاتفاق مع الشرعية، على صيغة مصالح بين أبو ظبي وأقاليم الجنوب الفدرالي، الذي أوصت به مخرجات الحوار الوطني، وبين ممثلي الجنوب الشرعيين تحت سقف رئاسة الرئيس هادي.
وأن تضمن المملكة ذلك حتى تؤمّن المعركة قبل انطلاقها، وبالتالي تحقق اختراقاً نوعياً لصالحها، وما يهمنا أيضاً مصالح الشعب اليمني وخروجه من أزمات الحرب.
إن تغير الميدان في تعز، الذي ممكن أن يعدل بوقت أسرع، لو انسحبت أبوظبي من حصار مقاومتها، وضُمت قوات المؤتمر إلى قيادة علي محسن، وهو ما يساعد في حسم معركة الحديدة، وبالتالي يكفل تصحيحاً ميدانياً، يخضع عبره الحوثي للمعادلة في صنعاء، ويشارك الجميع تحت مساحة الشرعية المتبقية لفترة انتقالية.
ولكن الوصول لهذا الهدف، يجب أن يدفع للمراجعة الاستراتيجية الصريحة، بما فيها حصاد أزمة الخليج، وخسائر استهداف قطر واستعداء إعلامها والمجتمع العربي، لتُهيأ الأرض الإقليمية، لتحقيق اختراق عربي أمـــــام إيران، أما إذا لم تُغيّر قواعد التفكير فلن يتغير الحصاد الأخير، وسيبقى اليمن أسيراً لعهده الحزين.
——————–
*نقلاً عن “الوطن” القطرية.