كتابات خاصة

هذا ما حدث

فتحي أبو النصر

الذين يؤيدون الميليشيا، بشقيها الايديولوجي المذهبي، ويتحمسون لها، يؤججون نزعتها العدائية لفكرة الدولة وتعطيل السياسة وترهيب المجتمع.
الدولة التي تمثل بوتقة الحس المشترك للجميع، هي ما يوحد المجتمع ولا يفرقه. أما الميليشيا فإنها تثير التوحش ولا تتحمل مسئوليات دستورية وقانونية وأخلاقية، لأنها التجلي الأبرز لوعي ما قبل الدولة الذي هو ضد العيش المشترك والكيان الوطني.
وأما من يؤيدون الميليشيا، بشقيها الايديولوجي المذهبي، ويتحمسون لها، فإنهم يؤججون نزعتها العدائية لفكرة الدولة وتعطيل السياسة وترهيب المجتمع.
والحال أن تحالف 94 أهان الدولة تماماً، بينما تحالف 2015 أهانها مرتين. لكن الرابط بينهما هو هادي كأحد أطراف التحالف الأول، ورغم حيازته شرعية توافقية لمهام انتقالية، رسخ الطابع التجريفي للدولة، في مرحلة كانت ذات فرصة سانحة لصنع الفارق المنشود بين الماضي والحاضر.
ذلك أن أولوياته وقد صار رئيساً لم تكن أولويات حلم تقوية الدولة، بقدر ما جعل “كائنات موفنبيك” يتحكمون في مصائر الشعب الذي أرادوه أن يصفق فقط لأوهام أقاليم في ظل دولة تضمحل أصلاً.
ثم مع التمديد زاد التخبيص، ومع تدليله للميليشيا داهمته إلى دار الرئاسة في أسوأ سيناريو غير مسبوق لتمادي فاشية الاستقواء بالسلاح.
تهورت الميليشيا وصادرت ما تبقى من سلطة الدولة وتغولت بمباركة صالح وكل الذين تواطؤ معها في الداخل والخارج ضد هادي الذي كان يكبل نفسه بالسلبية فوق مستوى التصور، كما خاضت فعلها في سياق الصراع الاقليمي، وقد تحول سلاحها إلى أداة قهر إجرامي مجتمعي أكثر من فادح أيضاً.
بالمقابل تهورت السعودية ودخلت في الصراع، كما انتظمت مقاومة شعبية كحق دفاعي مشروع في وجه العدوان الداخلي.
والنتيجة أن اليمن لم تستطع حماية نفسها من جرائم العدوان الخارجي، وانكشفت على نحو مهول، كما سقطت الدولة في المحظور بحيث أصبحت ذات إرادات متعددة، فمن سلطة صنعاء وسلطة صعدة أفقنا على سلطة المكلا ثم عدن بعد التحرير الخ.
وحتى اللحظة، لا يبدو أن سلاماً سيحضر قريباً غايته النهوض من الركام وتقديم صياغة نهضوية تصحيحة جديدة للحاضر والمستقبل. 
فبينما تتوغل البلاد أكثر في أقاصي العنف، يدفع اليمنيون أكلافاً فادحة لذرائع مراكز القوى وصراعاتها وانانياتها التي لا تمت بصلة للدولة الوطنية الجامعة.
وبما أنه كان بالإمكان معالجة الدولة الهشة بقليل من المسئولية والشفافية مع المجتمع قبل أن يحدث كل هذا، إلا أن الدولة حين تتفكك وتعم الفوضى يصعب على المجتمع المنهك الوقوف صفاً واحداً ضد كل ما تراكمه العدائية المتفشية ذات الغريزة الجحيمية الشاملة ضده وضد أطلال الدولة كذلك.
على أن الأوضاع الانسانية الفظيعة ستظل هي عبء الوطن الاول.
وما زالت اليمن في يد جلاوزة الميليشيا الطائفية البغيضة والمشيخات المافيوية، مروراً بالذين يريدون اللعب بورقة الإرهاب والفساد المهيمنين، وليس انتهاءً بالعصابات المناطقية وفنادم اللاوطنية وشيوخ اللحى الأصولية الخ، وكل هؤلاء طبعاً لا يعترفون سوى بمصالحهم فقط،  ما لم فإنهم يفضلون الانتقام بصنع الخراب وتدمير الدولة والمجتمع معاً.
لكن الشعب المغلوب وقد دفع تضحيات كبيرة ومؤلمة لن يحترم سوى من يدافع عنه بوعي وطني حقيقي دون أي انفصام، أو من يوقف الحرب ليجبر الضرر الهائل الذي وقع عليه من كل النواحي.
ومهما استمرت الدماء، سيبقى بناء الدولة ونزع السلاح وعدم التوائم مع كل ما ينغص حق الشعب في الحياة والتحرر والتطور والسلام هو الأمر الأكثر الحاحاً.
وبالتأكيد عاجلاً أم آجلاً، لابد أن يستفيد اليمنيون من مخرجات هذه الحرب بكل مآسيها وجنونها لتوحدهم كما ينبغي في أولويات مطالب تفعيل الدولة وحقوق المواطنة والجيش الوطني والديمقراطية، خلافاً للمصير المجهول، أو اقتسام جثة اليمن بين أمراء الحرب، فذلك هو الخطأ التاريخي الذي لا يجب السماح بتكراره.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى