(تحقيق) قبائل صنعاء “فقاسة الرجال” كيف اختفت قبل مقتل “صالح”؟!
منذ مقتل الرئيس اليمني السابق وتَشكل الصدمة لدى اليمنيين كانت التساؤلات تستمر حول “كيف تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة على القبيلة، وكيف انهارت دفاعات صالح المتمثلة في الحرس الجمهوري؟، يمن مونيتور/وحدة التقارير/خاص
بينما كان الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يدير معسكراً لتدريب المقاتلين “الملصي” خارج العاصمة صنعاء كانت جماعة الحوثي تستنسخ “قبائل الطوق” السبع، وانتهت استراتيجية “صالح” بمقتله مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري.
بينما كانت مجاميع مسلحين الجماعة تتدفق إلى العاصمة صنعاء مطلع الشهر الحالي ديسمبر، استعداداً لإسقاط الرئيس السابق، اتجهت ملايين الأنظار إلى القبيلة أين سيكمن دورها وفي صف من ستقف؛ انشغلت القبائل بالحياد. ومنذ مقتل الرئيس اليمني السابق وتَشكل الصدمة لدى اليمنيين كانت التساؤلات تستمر حول “كيف تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة على القبيلة، وكيف انهارت دفاعات صالح المتمثلة في الحرس الجمهوري؟
وقال زعماء قبائل ومسؤولون في حزب الرئيس السابق في أحاديث متفرقة لـ”يمن مونيتور” عقب مقتل الرئيس السابق، إنَّ لقاء حكماء اليمن في العاشر من رمضان كان نقطة استنساخ الدور الحقيقي للقبائل اليمنية سواء طوق صنعاء أو غيرها، تم شراء ولاءات عشرات المشائخ وإقصاء من لم يعترف بشرعية الحوثي. كما أنَّ الجماعة دعمت ثورات ضد هؤلاء المشائخ في نهم وعمران وأرحب وهمدان وبني مطر والحيمتين.
وقال عدد من أبناء القبائل لـ”يمن مونيتور” إن جماعة الحوثي سعت إلى أكبر عملية لاستنساخ دور القبيلة اليمنية عبر إقامة لقاء “حكماء اليمن” الذي أقيم في القصر الجمهوري في شهر رمضان الماضي بناء على دعوة من زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي ورفضته الوجاهات القبلية الكبيرة من الشمال والجنوب.
ففي شهر يونيو/حزيران 2017 أعلنت الجماعة انقلاباً على زعماء القبائل المحيطة بالعاصمة، واستبدالهم بموالين للجماعة من داخل تلك القبائل، مع كم كبير من التحذيرات من العمل في صفوف القوات الحكومية أو اتخاذ مبدأ الحياد. والتي يبدو أنها ستكون ضمن نتاج اجتماع دعا إليه زعيم الجماعة لمن وصفهم “حكماء وعقلاء اليمن”.
وبدأت عملية الاستنساخ عند دعوة الحوثيين للقبائل بتحديد موقفها من مشائخها الرافضين للانضمام إلى صفهم في مقاتلة الحكومة الشرعية، أو أنها ستصدر قرارات تصفهم بالخيانة، داعية أبناء القبائل إلى الانقلاب على المشائخ الذين لم يعلنوا استعدادهم للقتال معها.
استنساخ القبائل
وقال ضيف الله رسام، الذي نصبته جماعة الحوثي كرئيس لمجلس التلاحم القبلي أثناء حشد عدد من (قبائل الطوق): “إن المشائخ الذين يجتمعون في الرياض ويتواصلوا مع قبائلهم ويردون عليهم من داخل الأراض اليمنية لبحث تطورات القبيلة وتوقف القبيلة كافة أنشطتها في انتظار شيخها أن يعود من المملكة العربية السعودية الرياض عيب مشين.. اين كفاءتكم؟!!”
ونقل مراسل “يمن مونيتور” عن رسام دعوته للانقلاب على هؤلاء المشائخ قائلاً: “الآن لابد من انتخاب مشائخ يحلوا كبديل عن العملاء والمرتزقة وكل قبيلة الآن تستعد لترسيم شيخ تراه رجل وطن وقبيلة وعلى القيادة السياسية ان تدرك هذا الأمر وإلا فهي خائنة”.
وطالب رسام في اجتماعاته بصنعاء القبائل بإصدار العديد من القرارات: لابد من إعلان براءة من كافة المشائخ الذين لم يعلنوا القتال ضد قوات الحكومة وسيتم الإعلان في الأيام القادمة من يتواصل مع زعماء القبائل في الخارج بأنهم خونة وسيتم إعلان البراءة منهم وأطلب من الجميع إعلان عدم العفو عنهم حتى لو نزلت آية قرانية فيهم وسوف نأخذ ثأرنا منهم لأنهم يقدمون التسويات السياسية على حساب دماء الشعب اليمني.
التزام “صالح” الصمت
وقال شيخ قبلي واحد لـ”يمن مونيتور”: إنَّ صالح فضل التزام الصمت أمام كل تحركات الحوثيين وأمام لقاء العاشر من رمضان الذي فقس تكوينات متمردة داخل القبائل، وعندما احتاج صالح لتلك القبائل من أجل الدخول إلى صنعاء فشلت الجهود إلا بأعداد ضئيلة تعيش الآن مشردة في محافظات أخرى بعد مقتله؛ فأغلبية القبائل كانت تحت تخدير الحوثيين بما في ذلك قبائل خولان وسنحان.
ويتحدث زعماء القبائل أنَّ الموضوع كان منذ وقتٍ مبكر للغاية بعد سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014، عندما دعا الحوثيون إلى عقد مؤتمر للقبائل لدعم سيطرته، وعندما رفض زعماء القبائل الحضور، نصب في 31 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2014 زعيم جديد لقبائل اليمن يدعى “ضيف الله رسام” وهو واحد من مشائخ محافظة صعدة (معقل الحوثيين) وهو قائد ميداني لدى الحوثيين ومتهم بالضلوع بتصفية قائد اللواء 310 اللواء حميد القشيبي في عمران كما أنَّ له دور كبير في تصفية “صالح”- حسب زعماء القبائل.
وقال الزعماء الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إنَّ تعيين “رسام” كان عقاباً من جماعة الحوثي ضد مقاطعة كبار القبائل لمؤتمر الحوثيين؛ وترأس “رسام” مجلس التلاحم القبلي وطوق صنعاء؛ وقال أحد الزعماء إنَّ رسام “شيخ من الدرجة الرابعة إذ أنه ليس شيخ قبيلة بل شيخ عُزلة”.
وأضاف الزعماء أنَّ “ضيف الله رسام، أحد رجال عبدالملك الحوثي الذي يعمل بشكل مباشر وأحد من يعملون تحت إمرة وتم إستنساخه لهذا الغرض وكان له دور كبير في تفكيك القبائل وعمل على تحريض أبناء القبائل على مشائخهم واستقطاب مئات منهم إلى جبهات القتال مستغل بذلك عدم حصولهم على التعليم وانحراف الولاء لعبدالملك الحوثي”.
انكسار القبائل
وقال الزعماء إنَّهم لم يخذلوا “صالح” لكن الظروف كانت أكبر بكثير مما كان يتوقعه، إذ أنَّ الرئيس اليمني السابق توقع أنَّ تتحرك قبائل الطوق في وقت كانت تعاني من انتفاضات داخلية أججها الحوثيون وظلوا في تغذيتها لردع أي تحركات أخرى لها خارج إطار الرؤية الحوثية. مع ذلك فإن عدد من مشائخ صنعاء تحركوا لقطع الطريق أمام إمدادات الحوثيين لكن عددهم لم تتجاوز أصابع اليد وتمكنوا من إغلاق بعض الطرقات والخطوط التي كانت توصل الامتدادات لجماعة الحوثي إلى صنعاء منهم الشيخ ناجي جمعان، احد مشائخ بني الحارث الذي تم الانتقام منه من قبل الجماعة وتصفيه أبنائه الاثنين ونهب أمواله ما اضطره إلى الهروب من العاصمة إلى دولة مصر والشيخ مبخوت المشرقي احد مشائخ محافظة عمران الذي تم أسره مع أنصاره وتفجير منزله ونهب أمواله من قبل جماعة الحوثي .
وسرعان ما انهارت القبائل الموالية لحزب المؤتمر الشعبي العام، بعد إعلان مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ما ساهم في توحش الحوثيين والبدء بأعمال القمع والقتل التي نفذتها الجماعة في صنعاء بعد أن قسمت المدينة إلى مربعات أمنية وتم رصد الآليات في كل الشوارع، والتصدي لكل التحركات للمدنيين، ومنع قيام أي ثورة بعد اغتيال الرئيس صالح.
وقال اثنين من زعماء القبائل لـ”يمن مونيتور”: إن عدد من المشائخ الموجودين في صنعاء، انتسبوا لجماعة الحوثي خوفا من الانتقام وضمان سلامتهم، وخوفاً من إعدام عائلاتهم وذويهم، بعد أن شنت الجماعة حملة اعتقالات واسعة، وقتلت أعداداً كبيرة من القيادات، وهدمت منازلهم لرفضهم التعاون والانصياع.
فيما قال اثنين أخران انهما يعتقدان أنَّ بقية مشائخ صنعاء لن يستطيعوا تقديم الكثير في حال تحركت قوة عسكرية للتحالف، فالمشكلة أصبحت داخل القبيلة وليس في خارجها.
انهيار دفاعات صالح
استند الرئيس السابق علي صالح إلى القبائل الموالية له وعدد من رجاله منهم اللواء مهدي مقولة، الذي تم أسره من قبل الجماعة قبل سقوط صالح وعدد من قبائل خولان بقيادة الشيخ علي شعلان وبعض قبائل همدان التي تكن بولائها لصالح.
وبسبب انتشار وسيطرة الحوثيين على الحرس الجمهوري والقبائل لم تحقق أي انتصار على الأرض بقدر ما حاولت إبطاء وتوقيف الخناق على الرئيس صالح قبل مقتله يوم الاثنين، وقبيل مقتل صالح بيوم “الاحد” تمكنت قبائل همدان من الاشتباك مع الحوثيين في معسكر الاستقبال في ضاحية شمال غربي صنعاء واستولت على أكثر من 20 عربة مسلحة تابعة لجماعة الحوثي بما فيها مقاتلين لهم بعد معارك عنيفة سرعان ما تلاشت الخطوط الدفاعية بعد إعلان مقتل صالح.
كسر هيبة القبيلة
نجحت جماعة الحوثي عبر تمكين ضيف الله رسام، القيادي الميداني في جماعة الحوثي، من طوق قبائل صنعاء بإزاحة صالح وحزبه عن المشهد تماما في المناطق التي مازالت خاضعة لسيطرتهم، منذ ان التزمت بتوجيهات منه بالصمت إزاء ما تتعرض له قياداتها من اعتداءات وانتهاكات من الحوثيين شريكهم في إدارة السلطة والثروة، والذي صعد بشكل مستمر ضدهم في إطار تفاقم الخلافات بين الحليفين ما تسبب في ضعف القبائل المؤتمرية أمام قوات الحوثي في هذه المناطق.
ومن هذه الاعتداءات التي مارستها جماعة الحوثي البدء بإهانة المشائخ، حيث قامت الجماعة في 18 أكتوبر 2017م، الشيخ منصور محمد سليمان، أحد القيادات الاجتماعية البارزة والفاعلة في قبيلة همدان، وكسرت الجماعة هيبة المشائخ ومكانتهم وسط قبائلهم انتقل ذلك إلى قيادات وكوادر المؤتمر بالخطف والتعسف والإقصاء من وظائفهم.
وقال مراسل “يمن مونيتور” إنَّ مصادر خاصة تواجدت في اجتماع ابوعلي الحاكم (القيادي الحوثي ورئيس المخابرات في سلطتهم) مع شيخ مشائخ بكيل الشيخ ناجي الشايف في منزله تحدثت عن تحييد دوره وتهديده إثر محاولته التحرك لنصرة الرئيس السابق علي صالح قبل مقتله بيوم واحد.
وهذا الأسبوع زار رئيس المجلس السياسي للحوثيين (هيئة تدير البلاد) صالح الصماد منزل الشايف.
وهرع ابوعلي الحاكم، ومحمد الحوثي بعد مقتل الرئيس صالح إلى النزول الميداني ميدانية إلى بقية قبائل اليمن بما فيها قبيلة خولان وقبيلة سنحان، التي لم تكن قد وصلت إليها الجماعة ولم تتمكن من أخذ ولاءتها في عهد الرئيس علي صالح.
القبيلة وضعف الدولة
ويؤكد الدكتور عادل الشجاع، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء أن ثقافة القبيلة تقوم دوما على الغنيمة، فأينما تكون الغنيمة تكون القبيلة.
وما يحصل اليوم من سيطرة واجتياح للمحافظات هو صراع على السلطة وانتظار لدور قادم للقبيلة، فقبيلة حاشد كانت تسيطر على الحكم في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبالمشاركة مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر واللواء علي محسن الأحمر، وبعد سقوط السلطة في 2011، سقطت السلطة من يدها فتعددت رؤوسها ولم تعد اليوم في اليمن قبيلة واحدة بل تداخلت القبائل.
وأضاف الشجاع: إذا لم يكن هناك مشروع دولة يستوعب القبيلة ويعمل على مأسستها فإن القبيلة ستظل مصدرا للصراعات والاستقطابات وعائقا للتحولات التنموية والسياسية والديمقراطية.
ولا شك في أن التحالفات القبلية القائمة دليل على ضعف الدولة التي لم تستطع حماية القبائل الأخرى أو حماية كيانها العسكري مما حدا ببعض القبائل للعودة لأحلافها السابقة حفاظا على كينونتها مثل قبائل محافظتي الجوف ومأرب التي تنحدر من قبائل بكيل ومذحج، إذ عندما شعرت بخطورة جماعة الحوثي أنجزت وثيقة تحالفاتها القبلية سمتها “عهد وميثاق” ووقعتها قبائل عبيدة والأشراف بمحافظتي مأرب والجوف، وهي تفرض على جميع أبناء القبائل مساندة بعضهم بعضا وأن يكونوا يدا واحدة ضد أي اعتداء أو محاولة بث الفرقة أو فرض الهيمنة داخل أراضي القبيلة، إضافة إلى وجوب التصدي لأي اعتداء على المحافظة من أي جهة، وتجريم مَنْ يُسهّل عمليات دخول الغزاة والمخربين، وهي إشارة إلى جماعة الحوثيين”.