كتابات خاصة

بعيداً عن الرثاء

حسن عبدالوارث

لماذا تبكي شعوبٌ حُكَّامها حين يرحلون، فيما تُهلِّل شعوبٌ أخرى فرحاً لرحيل حُكَّامها؟

لماذا تبكي شعوبٌ حُكَّامها حين يرحلون، فيما تُهلِّل شعوبٌ أخرى فرحاً لرحيل حُكَّامها؟

بكى المصريون جمال عبدالناصر، في مشهد يستحق صفة التاريخي عن جدارة، وهو مشهد لن يغيب عن الذاكرة الانسانية أبد الدهر. وأظن أهلنا في عُمان سيجهشون بالبكاء المرير يوم رحيل سلطانهم، لأنه أخرجهم من بوتقة الهوان الى رحاب العزَّة. وانتحب أهل الامارات الشيخ زايد بن سلطان للسبب القابوسي ذاته. وبكى عديدون من شعب الرافدين صدام حسين، ولو في وقت متأخر، بعد أن أدركوا يقيناً أن رحيله كان في الأساس رحيلاً موجعاً لجملة من الظواهر والمظاهر والحاجات المادية والروحية التي لم يكونوا يعتقدون أنها عزيزة عليهم إلى درجة القداسة، وفي مقدمتها غياب الدولة بكل معنى الكلمة.. فيما كانت نهاية معمر القذافي أمنية الغالب الأعظم من سواد الشعب الليبي وغيرهم من العرب، برغم أن بشاعة هذه النهاية قد أزعجت مشاعر الكثيرين، غير أن الأسباب تقود إلى نتائج تُوائمها بالضرورة، أكان في مضمار الطبيعة أو على صعيد السياسة على السواء.
والأمر غير مقصور على العرب فقط، فكل شعوب العالم تشهد هذه المشاعر وتعرف تلك المواقف. فالأندونيسيون -مثالاً- هلَّلوا طرباً لسقوط محمد سوهارتو.. أما الهنود فانتحبوا -حتى كاد بعضهم ينتحر- يوم وفاة المهاتما غاندي.. فيما رقص الرومانيون في شوارع بوخارست وملاهيها سروراً بالقضاء على نيكولاي تشاوتشيسكو، برغم بشاعة مشهد اعدامه مع زوجته، وهو المشهد المُقزِّز الذي تناقلته شاشات العالم كل. وبالطبع لا يُقاس هذا الشعور الطبيعي أو الموقف الانساني في حالة مثل وفاة الديكتاتور الكوري كيم ايل سونج وخَلَفه (نجله كيم جونج ايل) ففي الحالة الكورية يغدو النحيب المتشنِّج على الزعيم -الأسطورة والضرورة جزءاً حميماً من منظومة الواجب القومي المقدس، ويُعدّ الاخلال بوتيرته ضرباً من الخيانة العظمى التي تستوجب انزال عقوبة الاعدام بمقترفها!
تواترت هذه الخواطر الى ذهني اثر التداعيات العاطفية التي أنتجها مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وما استتبع ذلك الحدث من مشاعر شتى زادت من حِدَّتها بشاعة القتلة وسرعة المآل وفداحة الموقف، برغم أن الكثيرين -وكاتب هذه السطور أحدهم- كان يتوقَّع نهاية مأساوية للرجل، لاسيما بعد ما أقدم عليه في 21 سبتمبر 2014 من انقلاب غاشم على كل المعاني والمفاهيم والدلالات التي ظل يتشدَّق بها طوال عمره السياسي وفي المقدمة منها الثورة والوحدة والجمهورية.
لقد تنافرت مشاعر الناس وتضاربت مواقفهم تجاه هذا الحدث الجلل، بين من بكى بحرقة شديدة، ومن أطلق زفرة ارتياح جم، فيما ظل الأغلب الأعظم أسير المفاجأة الصادمة الداهمة التي ألجمت مشاعره وشلَّت أحاسيسه حتى هذه اللحظة والى أمد غير قريب! .. فالحق أن الرجل كان مالىء الدنيا وشاغل الناس في هذه البلاد لقرابة أربعة عقود، خلال رئاسته وبعدها، وحتى آخر لحظة في حياته. قاد حروباً على كل جهات البلد وأهلها، ونظَّم اصطفافات وتحالفات كانت تتغير بسرعة دراماتيكية مذهلة، واكتسب صداقات وعداوات لطالما تبدَّلت واتخذت كلٌّ منها مواقع الأخرى.. غير أن أجيالاً بأكملها لم تكن تعرف “أباً” سياسياً غيره، وهي لم تتصور قط أنها ستعدم رؤيته أو سماعه ذات يوم!
إن من بكى مقتل عفاش هم مريدوه وخصومه على السواء..
ومن هلَّل لمقتله هم مريدوه وخصومه على السواء..
كيف يمكن أن تختلط المشاعر وتتناقض الى هذا الحدّ تجاه مقتل الرجل؟
يبدو لي هذا السؤال في غير محله، اذا كان مُتَّصلاً بشخص علي عبدالله صالح بالذات، أي بالشخص الذي نعاه خصومه ورثاه أعداؤه، بل ووصفوه بالشهيد والبطل!
ثم هل كانت هذه النهاية تليق بعلي عبدالله صالح؟
أعتقد أن الاجابة عن هذا السؤال بالذات ليست متوافرة لدى أحد حتى هذه اللحظة.. ولعلَّ التاريخ وحده يملكها، وبالتالي يتمكَّن من قولها في قادم الأيام.
وحتى تلك اللحظة، لا نملك الاَّ أن نقول: رحمة الله تغشاك يا علي عبدالله صالح.. وانَّا لله وانَّا اليه راجعون
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى