هل تعلم أن هذه البناية هي لأحد أبناء علي صالح. قلت: معقول؟ هذه ألماسة. فأجابني صاحبي: إن لديه ألماستين أخريين في باريس فقط. فلا تسأل عن لندن! بمقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أول من أمس، تُطوى صفحة أخرى من صفحات (جمهوريات الفوز) في الوطن العربي، فبعد مقتل الرئيس العراقي صدام حسين ثم سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم سقوط الرئيس المصري حسني مبارك، ثم مقتل الرئيس الليبي معمر القذافي، يأتي اليوم مقتل صالح ليكون جسر إنذار أحمر للرئيس السوري بشار الأسد الذي ما زال يعاند التنحي أو الموت!
ليس بعيداً من الرؤساء الآخرين الذين سقطوا أو قُتلوا، فقد حكم الرئيس صالح اليمن أكثر من ثلاثين عاماً، فما الذي تحقق لليمن (السعيد) طوال فترة حكمه المديد؟!
زرت اليمن عام 2001، ووجدته يعاني من قصور في أساسات البنية التحتية وعجز وفقر، لا يعاني منه أعضاء الحزب الحاكم فيه. وحين التقيت بشاعره وأديبه الكبير عبدالعزيز المقالح كان يشكو من أن كل شيء في اليمن يضمر ويضمحل إلا زراعة القات فهي تنمو وتتمدد وتزداد انتشاراً واستهلاكاً!
وحتى تكتمل الصورة، فحين كنت مقيماً في باريس كنت أرى بناية أنيقة شامخة في الحي الأغلى من باريس (الدائرة الثامنة)، قال لي أحد الأصدقاء: هل تعلم أن هذه البناية هي لأحد أبناء علي صالح. قلت: معقول؟ هذه ألماسة. فأجابني صاحبي: إن لديه ألماستين أخريين في باريس فقط. فلا تسأل عن لندن!
هذا إذاً ما صنعه الرئيس صالح لليمن خلال ثلاثة عقود من حكمه!
ظل اليمن، طوال سنين مديدة، بلداً فقيراً في كل شيء إلا رئيسه الغني، مثلما كانت ليبيا ومصر وتونس وسورية.
تقاتَل علي صالح مع كل الأطياف، وتحالف أيضاً مع كل الأطياف، فعل ذلك كله لأنه لم يكن يبحث في معاركه أو في تحالفاته عما يشيع التنمية المستدامة في بلاده، بل عن الرئاسة المستدامة له.
لكن بغية إنصافه، فإن الخبراء بالتوليفة المعقدة للمجتمع اليمني، قَبَلياً بالدرجة الأولى ثم حزبياً وطائفياً في مرحلة لاحقة، يرون أنه ما كان لأحد أن يجيد إدارتها وترويضها ونزع فتيلها اللاهب، غير هذا الرئيس «الراقص على الثعابين». لكن الرقص إذا صاحبه التعرّي فإنه لا تُؤمَن نتائجه، وهذا ما حدث مع الرئيس صالح حقاً حين بالغ في تنويع رقصاته وترويجها.
السؤال الآن هو عن اليمن من دون صالح؟!
هل الشعب اليمني الشقيق موعود بقرب تحقّق (اليمن السعيد)؟ أم بيمنٍ أكثر تعاسة وتشرذماً، تماماً كما آلت إليه دول (الربيع) العربي الأخرى؟
المعطيات الناجزة على الساحة لا تدفع إلى التفاؤل، فاليمن لم يذق طعم الاستقرار التنموي منذ عقود بسبب مشكلاته الداخلية، فكيف به الآن وقد أصبحت لديه مشكلات خارجية تولَّدت عن التغلغل الإيراني الفاجر فيه؟!
لكن هذا النفوذ الإيراني المثير للتشاؤم في اليمن هو، في الوقت ذاته، مبعث تفاؤل بأن يكون دافعاً لمنشأ العروبة أن تنتفض ضد الأفعى المستوردة.
سيرى اليمنيون، والحكمة يمانية، ما آل إليه لبنان الوديع بعد أن «تأيرن»، وكذا سورية والعراق الكبيران كيف صغرا و (تسافَلَا) خلف المرشد (الأعلى)!
سيرى اليمنيون كيف أن (الخمينيين) إذا دخلوا قريةً أفسدوها، وجعلوا أمنها بيد ميليشيات همجية تأتمر بأمر الأفعى المستوردة. فعلوا ذلك في لبنان والعراق وسورية وأفسدوها حقاً، ويريدون الآن استكمال مشروعهم الإفسادي لليمن، فهل سيقبل موطن العروبة ذلك؟
إن انتفض يمن الشكيمة ضد مختطفيه فسيكون نموذجاً لإعادة تطهير المنطقة، وإن سقط فلا لوم على من دونه بالسقوط!
* كاتب سعودي
*نقلاً عن الحياة السعودية