كتابات خاصة

رثاء وطن

إفتخار عبده

منازل كانت بالأمس شامخةً هدمت، وجبال كانت تشهد الخضرة والجمال قد أصبحت تشهد  الأغلام والمتارس والتجمعات، محلات كانت بالأمس مفتوحةً تعمل، تم إغلاقُها، صمت عن الحق بكل أرجاء الوطن، وطن يئن ومن يستجيب. لم يعد في بلدي ما يدعو إلى البهجة والسرور، ولم يعدفيه ما يحلينا إلى السعادة، أو يشعرنا بالأمل.. وطن يكاد أن ينتهي.. بلد على شفا حفرة من الهلاك ألمت عليه المصائب من كل ناحية، ودارت عليه الأهوال دوران الرحى على الحبوب فطحنته طحناً، حتى أفقده هويته وهيئته.
وطن ينام تحت جنح الليل ويصحو تحت رحمة الأنقاض، كل شيء فيه آيلٌ إلى الزوال، اللهم إن البقاء فيه للجبروت وأصحابه.
منازل كانت بالأمس شامخةً هدمت، وجبال كانت تشهد الخضرة والجمال قد أصبحت تشهد  الأغلام والمتارس والتجمعات، محلات كانت بالأمس مفتوحةً تعمل، تم إغلاقُها، صمت عن الحق بكل أرجاء الوطن، وطن يئن ومن يستجيب.
العجيب في هذا الوطن أن الكل يحبه والكل يضحي من أجله، ترى من هو على الحقيقة؟
هل الوطن الصامت أم الناس المتصارعون، الجميع يذهب إلى الجبهات لحمايتك أيها الوطن الحبيب، والكل يخرج إلى الشوارع منادياً لأجلك أيها الصامت، حتى الأطفال أصبح لهم دور في القتال لأجلك، فمتى تستفيق من تعبك ومرضك؟ أترى مرضك مزمن لازمك الفراش  طوال الوقت، ما إن تبدأ تستقم حتى تسقط ثانية، وما إن تتنفس الراحة حتى يأتي مايعكر حياتك ويحيلها جحيماً.
أصوات المدافع فيك أصبحت روتيناً مألوفاً والموت طقساً من طقوس كل يومٍ وعبادة يؤديها الناس.
إنه قد أصبح الحزن ويطفئ السعادة، وأما الجنازات، فهي تُحمل كما تحمل أغراض الحياة اليومية فكل بيت قد أخرجت قتيلا أو جريحاً، والحزن أصبح الزائر والحيد كثيير التكرار على البيوت والحارات.
أما عن العلم فيك يا وطني الحبيب فالحديث عنه كالحديث عن شيء لم يكن قد استقام، فكسر ظهره وخر صريعا تتقاذفه صحراء التخلف والفقر.
الطلبة يغادرون مدارسهم بحثاً عن أسباب العيش والحياة ومنهم من يغادرها وقلبه معلقٌ بها وعجزه يمنعه من ذلك.. معلمون توقفوا عن التعليم  لسبب نعمله جيداً ومعلمون استبدلوهم بمعلمين لايحملون من العلم إلا اللقب الذي أُطلق عليهم وقت تعيينهم.
لا تلمني أيها الوطن أقدمت على رثاك فأنا مدركة كل الادراك ما أنت فيه، فتردي الخدمات الصحية فيك غنية عن الحديث، ومتى قد كانت على السواء، ومتى قد كانت كافية لمداواتك.. هذا يموت بسبب إبرة بالغلط، وذلك يفقد حياته إثر تشخيص خاطئ، وأما الآن فالخدمات الطبية فيك بحاجة مااااسة إلى الخدمات، فأغلب المستشفيات تعاني من العجز الكلي، وما السبيل أمامها إلا الإيقاف اضطراراً، أو العلاج بالموجود وضحية هذا، أولئك الذين يفقدون حياتهم وهم في طابور الانتظار.
هذا هو أنت أيها الحبيب فعلام تعجب إن تم بكاك وأنت مازلت تتنفس القليل من الحياة.
لم يكن يوماً ببالنا أن تصل إلى هذه المرحلة!
ترى من الذي دعى عليك حتى أصبت بهذا البلاء العظيم
وهل لك أن تستعيد قواك؟
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى