متى سنتعلم من الدروس ونستلهم العبر؟ في أي عام سيأتي نوفمبر ونحتفل بتحررنا من التخلف والجهل والعصبية والمرض؟ ما نحتاجه جيل جدير بتحمل المسئولية الوطنية، جيل متجاوز لماضيه بكل علله وماسية، قوي وشجاع في مواجهة الحقيقة والاستحقاق لمشروعنا الوطني الكبير، دون الهروب لمشاريع صغيرة بأعذار قبيحة.
30 نوفمبر 67م ذكرى رحيل أخر جندي للمحتل البريطاني من ارض الجنوب اليمني، تتويج لنضال شاق ومقاومة شرسة لشعب تواق للحرية والاستقلال، بكل أطيافهم وألوانهم السياسية والفكرية، اليساري واليميني والإسلامي والعلماني، القبيلي والمدني، خليط من الثقافات والأفكار، ما يميز عدن حينها، تنوع أثرى الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية، كانوا جميعهم في خندق واحد، بمسميات مختلفة ومصير وهدف موحد.
حرروا الأرض، ووحدوا جسد الجنوب اليمني المتناثر لسلطنات ومشيخات متناحرة، يهيمن عليها الإقطاع من سلاطين ومشايخ وأمراء، ملاك الأرض والثروة، والشعب عبيد ورعية تحت وصايتهم.
في هذا اليوم أعلن الرئيس قحطان محمد الشعبي عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، جمهورية مستقلة ذات سيادة، يحكمها ثوار من شباب واعد انبثق من عامة الشعب.
تحررنا من الاستعمار ولم نتحرر من ثقافة المؤامرة التي زرعها فينا، عندما انتقلنا لمرحلة تصفية آثاره ومخلفاته، بدأت التصنيفات وبدأ العقل التسلطي والفكر الأيدلوجي يعمل، وبدأت الأمراض تنهش الجسد الواحد، وبدأ التآكل، وبدأ التاريخ يأخذ مجرىً دموياً، فسيطر مزاج واحد على الأمر، وكل من يختلف مع هذا المزاج معرض للتصفية أو الرحيل، واستمر المسلسل ينتج لنا تصنيفات من يمين انتهازي ليسار انتهازي، وبرجوازية وكمبرادور وتأميم، حتى أنهكنا وصرنا لقمة سائغة لمن يتربص بنا في الطرف الآخر.
عدن مركز الحضارة والنماء والنقطة المضيئة، صارت الجزء الأضعف، اجتاحته القبيلة بعصبيتها وجهلها وتخلفها، فأظلمت وساد فيها الرعب لكل العقول والمهارات والكوادر والشخصيات ورجال الأعمال وركائز الاقتصاد والتجارة، جرفوا الحياة من تنوعها، لتصبغ بلون واحد وفكر سائد، فصار الاختلاف مؤامرة والتنوع مشكلة، وكانت التصفيات لصون مرحلة الثورة الوطنية، ضحاياها كوادر وخبرات وملكات الإدارة والاقتصاد، لم يبقَ غير النظام والقانون وما تبقى من ربابنة موالين، فأغلقت عدن وهاجرت نوارسها المؤهلة وكوادرها المتفوقة، هاجرت لصحاري وأحراش الجوار لتنقل معها جنة عدن لتلك المواقع؛ وهي اليوم ناطحات سحاب، مواني ورؤوس أموال وشركات عملاقة في الاقتصاد والتجارة، صلحت أحوالهم، وتعطلت مسيرتنا.
أسفاه فيما نحن فيه وفيما وصلوا إليه، المهم في نهاية الأمر أن شباب ذلك الزمان قد شاخ واعتذر، قالوها: كنا طائشين متهورين ومعذرة.
جيل اليوم هم نتاج ذلك الجيل، بعضهم عاد من المهجر وبعضهم لم يترك هذه الأرض، ولكل منهم حكاية، حكاية ملطخة بتاريخ دموي مسلسل متواصل حتى 94 المشئوم وما بعد (94)، لكل وجبة تراكمات، وما زالت سلسلة التراكمات تنتج المزيد، حتى التحالف المنقذ اليوم مرتكز على جيل من ذلك الجيل المهاجر متأثرا بتلك المرحلة، وما زلنا لم نتعظ بعد، ولم نستوعب الدروس والعبر.
50 عاماً تذهب في مهب رياح الصراعات وزوابعها التي تنتج لنا صور جديد من الاستبداد والتسلط، بنفس الشعارات التي تغنينا بها ورقصنا عليها، شعارات تدغدغ مشاعرنا وتغيب عقولنا وتأسرنا، لنكن مجرد حشد تحت أشعة الشمس نهتف للمنصة بأصنامها المحمية والمصانة من أي تفجير إنْ حدث نحن ضحاياه.
متى سنتعلم من الدروس ونستلهم العبر؟ في أي عام سيأتي نوفمبر ونحتفل بتحررنا من التخلف والجهل والعصبية والمرض؟ ما نحتاجه جيل جدير بتحمل المسئولية الوطنية، جيل متجاوز لماضيه بكل علله وماسية، قوي وشجاع في مواجهة الحقيقة والاستحقاق لمشروعنا الوطني الكبير، دون الهروب لمشاريع صغيرة بأعذار قبيحة، جيل صلب ووطني غيور على هويته اليمنية وعروبته وإسلامه، في اعتقادي أن الزمن كفيل بذلك حيث لا يصح إلا الصحيح، وينتصر الحق.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.