كتابات خاصة

السيطرة السياسية بالكرة

سلمان الحميدي

ذهب المنتخب الناشئ ليشارك في التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس آسيا، وصل بشق الأنفس، الجمهور اليمني مغيب في لجج الحرب والواقع التعس، لا أحد يعرف أننا سنلعب إلا بعد أن فزنا على المنتخب القطري بخمسة أهداف.

صار الجميع رياضيين فجأة، من قيادات الشرعية إلى رؤساء الانقلاب.
لم يعرف أحد كيف قطع منتخب الناشئين الطرق الوعرة، متنقلًا بين المحافظات نظرًا لحظر الأجواء اليمنية ولتخلل الطريق لنقاط المسلحين، فضلًا عن إغلاق الكثير من الطرق بسبب المواجهات، ولم تنقل لنا الصور حالات اللاعبين الذين لم تتعد أعمارهم سن السابعة عشرة وقد دب الفزع فيهم واصفرت وجوههم وهم يسمعون الرصاصات تارة، وتارة طائرات التحالف.
لا أحد يهتم بك في طريق الذهاب، ولو كان هذا الاهتمام رمزيًا بمضارب قطر الحديد تتجرعه لزوال الفجيعة وأنت في سبيل تمثيل بلدك.
ذهب المنتخب الناشئ ليشارك في التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس آسيا، وصل بشق الأنفس، الجمهور اليمني مغيب في لجج الحرب والواقع التعس، لا أحد يعرف أننا سنلعب إلا بعد أن فزنا على المنتخب القطري بخمسة أهداف.
هربنا إلى الرياضة نراود نوبات الفرح المفتقدة طيلة الحرب.
كان التأهل مذهلًا، الجميع يهتم بك في طريق العودة لتحقيق مآرب سياسية إن كان صيتك قد ذاع. لذا استقبل الرئيس عبدربه في إقامته بالرياض بعثة المنتخب وكرمها، كنوع من السيطرة السياسية على مختلف الجوانب الشرعية.
وصل المنتخب إلى عدن، وقامت الحكومة بتكريمه كتأكيد.
ووصل المنتخب إلى صنعاء، وقام ما يسمى المجلس السياسي التابع للحوثي والمخلوع بتكريم المنتخب. وظهر سلطان السامعي وهو يؤشر لهداف المنتخب بتقبيل رأس الصماد باعتباره “طبة”.
التحق المخلوع صالح بركب المهتمين بالرياضة، واستدعى منتخب الناشئين ليكرمهم هو الآخر في منزله.
كان التكريم المباغت استغلالًا لذيوع المنتخب الذي أبهج اليمنيين الغارقين في وحل مدمى وأسيف فرضته الحرب.
حفلات التكريم من الأطراف المتحاربة، كانت إشارات يحاول كل طرف أن يثبت بها أنه المسيطر على الأرض، ليضفي الشرعية السياسية من خلال تكريم منتخب الناشئين.
في 2010، كتب رئيس تحرير النداء سامي غالب، مقالًا عنوانه “الشرعية الرياضية”، أثناء ما كان صالح مجتهدًا في تحقيق نصر سياسي من استضافة اليمن لخليجي20. كان إعلام صالح مركزًا على البطولة والربط بينها وبين فخامة الرئيس، ليس ذلك فحسب، بل كان صالح يرسل أهدافه السياسية في الوقت الذي يستقبل فيه المرمى اليمني الكثير من الأهداف ونعجز عن التهديف، كان صالح يؤكد بأن الجنوب خال من الإرهاب، ذلك أنه قبيل البطولة كانت القاعدة منتشرة هناك، خاصة في أبين المدينة الثانية التي تستضيف مجموعة من المنتخبات الخليجية، وأثناء البطولة تم الدفع بآلاف الجنود واختفت أنشطة المتطرفين، وقبل ذلك الوقت كان الحراك الجنوبي في عنفوانه، وقمة نشاطه، يتظاهرون منادين بالانفصال، ولكن مع البطولة ذابت أنشطة الحراك مثل فص الملح.
الشرعية الرياضية التي أرادها صالح ستصاب بمقتل بعد البطولة بأشهر. تم اقتحام استاد أبين الرياضي الذي استضاف نهائي بطولة خليجي20، عاثت فيه قاعدة الزعيم الإرهابية، الجنود، مجموعة من الغوغائين، العاطلون عن العمل، انقلع العشب الصناعي الأخضر من أرضية الملعب وتم إحراقه، ظهرت الأرضية الترابية الغبراء، كمن أزال القناع من وجه فخامة الرئيس. وصلت إحدى السماعات المرتكزة في إحدى أركان الملعب إلى قريتنا، كان صوتها فخيمًا، لقد اشتراها شخص كان يعمل في منياس بثمن بخس، طافت الأعراس كما لو أنها تشهر بشرعية صالح وتفضحه وتتحداه أن يعيدها إلى الملعب.
لا فائدة من الشرعية الرياضية، إن كانت شرعيتك السياسية راخية تدار بعقل انتهازي همه تحسين الصورة أمام الضيوف فقط.
كي تكون ناجحًا كن حازمًا، واعمل في سبيل تطوير الجوانب المختلفة، هذا ليس درسًا في التنمية البشرية، هذه خلاصة تجربة المخلوع.
غير أن لا أحد يصغي إلى تجارب الآخرين إذا ما ضجت البنادق.
المنتخب اليمني الشاب، قدم أداءًا مميزًا قبل أسبوعين في السعودية. استدعاه الرئيس عبدربه منصور إلى الرياض لتكريمه قبل ذهاب البعثة الرياضية إلى مكة للعمرة، سيعودون لعدن وستكرمهم الحكومة، ويذهبون إلى صنعاء ويكرمهم الصماد والمخلوع.
كان الأمر سيبدو أكثر من رائع، إن كان هذا الاحتفاء لأجل الرياضة، لأجل تطوير المنتخب، لاجتماع كل الأطراف الباحثة عن الشرعية على طاولة واحدة والاتفاق لتوفير أجواء مناسبة لتدريب المنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها، خاصة وأن الدوري متوقف، وأن المنتخب الكبير على بعد خطوة للتأهل إلى نهائيات كأس آسيا التي ستقام في الإمارات.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى