كيف ساعدت القبيلة والنفط وطموح الحاكم مدينة “مأرب” اليمنية على الازدهار رغم الحرب؟!
وفقاً لـ”نيويورك تايمز” استخدمت السلطة المحلية في محافظة مأرب عائدات النفط والسياسة القبلية لتقليل ضريبة الحرب. يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة
فيما تذهب اليمن أكثر نحو المجاعة؛ يمكن لسكان هذه المدينة الصحراوية المتربة الآن شراء المواد الغذائية التي لم يذقها السكان المحليون من قبل: البيتزا والهامبرغر والآيسكريم؛ حسب ما قال تقرير لـ”نيويورك تايمز” عن مدينة مأرب شرقي البلاد.
وأضافت: “على الرغم أنَّ الغارات والقتال المستمر ترك المدن في الأنقاض، إلا أنَّ النمو في هذه المدينة آخذ في الازدياد. حيث تقوم مصانع الطوب بالقيام بأعمال سريعة لبناء أحياء جديدة ترتفع فوق رمال الصحراء”.
وأكدت الصحيفة التي زار موفدها “بن هوبارد” المدينة الشهر الجاري: “وسط الحرب التي تسببت بأزمة إنسانية خطيرة في اليمن، أفقر بلد في العالم العربي، فإن مأرب نقطة مشرقة نسبياً في دولة لديها القليل لتقدمه”.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ البلد المنقسم بين فصائل متنافسة، استخدمت السلطة المحلية في محافظة مأرب عائدات النفط والسياسة القبلية لتقليل ضريبة الحرب. وتوفير مستوى من الأمن والخدمات تفتقر لها المدن الأخرى. وجذب هذا الاستقرار النسبي اليمنيين الفارين من مناطق أكثر عنفاً؛ بينهم من أحضروا المال لشراء الممتلكات وبدء الأعمال التجارية في المدينة.
وقال عبد الرزاق النقيب، المشرف على إنتاج شركة النفط: “إنه نجاح في ظروف استثنائية. “مثل الحفر بين الصخور بأصابعك”، وهو مثل يمني يشير للقيام بالمستحيل -حسب ما قالت الصحيفة الأمريكيَّة.
وقال ” بن هوبارد” الصحافي الذي كتب التقرير للصحيفة الأمريكيَّة، وترجمه “يمن مونيتور”، إنه وخلال رحلته التي استمرت أربعة أيام في مأرب مع مجموعة من الصحافيين والباحثين الغربيين، رأى بلدة تكافح من أجل الإحساس بالحياة الطبيعية -وحتى التقدم- على الرغم من انهيار البلد من حولها.
وأشار هوبارد إلى أنَّ مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد بحثي يركز على اليمن يقوده فارع المسلمي وهو باحث يمني شاب نشط، هو من نظم هذه الزيارة. وقال المسلمي إنه يشعر بالقلق من أنَّ المجتمع الدولي يتناسى اليمن.
طموح المحافظ
وأضاف: “لا يمكننا وقف الحرب في اليمن الآن، لكننا يمكن على الأقل خلّق المزيد من النقاش حول هذا الموضوع، نريد أنَّ نحضر العالم إلى اليمن ونحضر اليمن إلى العالم.
وتابع الكاتب أنَّ من الممكن القول إنَّ نجاح مأرب غير محتمل إذ أنها حالة منقطعة بشكل شبه كامل للدولة اليمنية. مستدركاً بالقول: “لكن مجموعة عناصر جعلت منها تجربة من غير المحتمل تكرارها بسهولة في أماكن أخرى (العلاقة الجيدة مع السعودية، واحتياطيات النفط والغاز، وحاكم تطلعي) وعلى الرغم من التقدم المحرز هنا “مأرب” لا تزال هناك تهديدات أمنية إلى جانب الفقر”.
وقال الكاتب إنَّ حاكم المحافظة “سلطان العرادة” “الذي استقبلنا بموكب مسلح وأخذنا إلى المطار وقام بحراسته إلى جانب حراستنا أثناء سفرنا في المناطق المحيطة بمركز محافظة مأرب” كان يريد بوضوح أنَّ يبرز تقدم مدينته وأنها عمل مع الآخرين بجد من أجل هذا التقدم. وعندما ذكرت وسائل الإعلام المحلية بزيارتنا ذكرت أنَّ رئيس اليمن ورئيس الوزراء قاموا بتهنئته.
وقد فاجأ نمو مأرب السكان المحليين- حسب ما قالت الصحيفة الأمريكيَّة.
البنية التحتية
وأضافت أنه وحتى قبل بضع سنوات كانت البلدة تحوي عدد قليل من الطرق المعبدة. وتشتبك القبائل فيما بينها في كثير من الأحيان. كما ينشط فرع يمني لتنظيم القاعدة في المحافظة، وغالباً ما تقتل ضربات الطائرات الأمريكيَّة بدون طيار الناس بدعوى أنهم مسلحون!
وفي أيار/ مايو، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شقيق السيد العرادة “خالد”، ل “تقديم الدعم المادي والمالي” إلى القاعدة، وهي تهمة رفضها السيد العرادة، قائلا إنها دُفعت من قبل المعارضين السياسيين.
وأصبح السيد العرادة، وهو زعيم قبلي يحمل كاريزما وسياسي ماهر، حاكما في عام 2012، عندما كانت الاضطرابات السياسية تجتاح البلاد. وبعد بضع سنوات، هاجم المتمردون الحوثيون، الذين استولوا على العاصمة صنعاء، مأرب وحاصروا المدينة حتى قام المقاتلون المحليون والضربات الجوية للتحالف بإجبارهم على العودة.
وقال السيد العرادة عن هجوم المتمردين: “كانت مأرب تواجه مصيرها”. وأضاف “حاولنا مواجهة الخطر علينا بيد واحدة والبناء بيد أخرى”.
ومنذ ذلك الحين، ومع توقف المحادثات الهادفة إلى إنهاء الحرب، ظل السيد العرادة يحافظ على تركيز نشاطه محليا؛ إذ يملك بعض المزايا، حيث تنتج محافظة مأرب الكثير من النفط والغاز في اليمن، وتحصل إدارة العرادة حاليا 20 بالمائة من العائدات، مما يسمح لها بدفع الرواتب وتمويل مشاريع البنية التحتية.
وقال مسؤولون محليون إن طرقا جديدة يتم شقها المدينة، ويزداد تألقها بإستاد لكرة القدم وسط المدينة حيث يتم استيراد احتياجاته من تركيا وألمانيا. كما يخطط السيد العرادة لبناء مطار دولي.
الأمن النسبي
وقد حافظت السعودية منذ فترة طويلة على علاقات مع زعماء قبائل مأرب، بمن فيهم السيد العرادة، إلى جانب علاقات جيدة مع التحالف الذي يواجه الحوثيين حيث يملك قاعدة عسكرية في مأرب.
وقد اجتذب الأمن النسبي للمدينة اليمنيين النازحين بسبب الحرب، وتزايد عدد سكانها. ومن الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة، ولكن الأمم المتحدة تقول إن 73،000 شخص فروا من أجزاء أخرى من البلاد استقروا في محافظة مأرب، بالإضافة إلى سكانها الأصليين البالغ عددهم 340،000 نسمة. ويقول مسؤولون محليون إن عدد النازحين أعلى بكثير مما ذكرته الأمم المتحدة.
في حين أن المخاوف الأمنية منعتنا من التجوال بحرية، خلال الجولات التي نظمها مكتب المحافظ رأينا النازحين في مبانٍ مزدحمة وغير مكتملة البناء إذ تُغطى نوافذهم بالبلاستيك والكرتون.
يتم إهمال المواقع التاريخية المحلية المرتبطة بالمملكة الأسطورية “سبأ” وتتواجد بجانب القمامة. وقد أبقى العنف السياح بعيدا لعدة سنوات، ومن غير المرجح أن يعودوا قريبا.
في ليلة ثقافية في خيمة كبيرة بالقرب من مكتب الحاكم، لعبت فرقة، راقصون قفزوا في الرمال وغنى رجل رمادي الشعر بحزن، “من يفقد الذهب يمكن العثور عليه في محل مجوهرات، ولكن من يفقد أرض الوطن لن تجده في أي مكان “.
مواقع أخرى مليئة بالتفاؤل
وقال محمد عبد الخالق، وهو طالب إعلامي في الجامعة العامة في المدينة، هرب إلى مأرب بعد أن استولى الحوثيون على مسقط رأسه، “أصبح مأرب ملجأ لجميع اليمنيين”.
وقال المسؤولون إن الاضطرابات أوقفت الجامعة، لكنها أعادت فتحها العام الماضي مع 2700 طالب. الآن لديها أكثر من 5000، وقد أقيمت الصفوف القصدير للتعامل مع تجاوز.
وقال الطلاب الذين فروا من أماكن أخرى أنهم مختلطة بشكل جيد مع السكان المحليين. التقيت شابتين يرتدين العباءات السوداء وحجاب الوجه إذ كانتا يدرسن الفيزياء. وقالت رمزية إن عائلتها فرت من صنعاء خشية أن تموت في الضربات الجوية السعودية التي تستهدف الحوثيين.
وقالت صديقتها، شيماء محسن، وهي من مواطني مأرب، إنها فوجئت كيف تغيرت المدينة، مع المطاعم الجديدة والطرق الأوسع والأكبر وحديقة للأطفال.
لكن الحرب لم تكن بعيدة أبدا. في يوم زيارة المستشفى، سقط صاروخ يعتقد أن الحوثيين أطلقوه في منطقة مفتوحة ونتيجة الانفجار قتل طفل صغير. وفي الليلة الأولى، أدت ضربة جوية -قال سكان محليون إنه من طائرة أمريكية بدون طيار- إلى مقتل أربعة أشخاص يعتقد أنهم من مقاتلي القاعدة.
مستشفى مأرب
وفي مستشفى مأرب العام، كان معظم المرضى من ضحايا الحرب.
وفي ورشة عمل، قام الفنيون بصياغة أطراف اصطناعية للمرضى المصابين من جراء الألغام الأرضية، وقد أخذ المستشفى يحتوي أكبر عدد من المقاتلين الجرحى، حيث قام المقاتلين الشباب بتعبئة جناح الأطفال.
وفي كل غرفة يوجد ستة أسرة، أحدهم كان مغطاً بالضمادات ويئن، إذ انفجرت سيارته عندما دخل قاعدة عسكرية، وفقاً لما ذكر ممرضون. وبجواره شخص كسرت ذراعه مع ثقوب لرصاصات في كتفه. وأصيب آخر برصاص قناص في المعدة.
وكان هناك ستة رجال آخرين، بينهم خليل الكوال، 20 عاما، وهو جندي كان قد داس على لغم أرضي، وفقد قدمه اليسرى، وأصيبت أطرافه الأخرى بشظايا.
وقال “سأحصل على طرف صناعي وأعود إلى الجبهة”.
وعندما سئل عن كيفية انتهاء الحرب، أجاب: “الحل الوحيد هو مع الله”.
وقال السيد العرادة، الحاكم، إنه عمل على زيادة سيادة القانون، ولكن المشاكل لا تزال قائمة.
وقالت طالبة جامعية تدعى سمية السنية، إن زوجها محسن العوضي قد تم سحبه من متجره للهواتف المحمولة من قبل قوات الأمن بعد أن انتقد على صفحته في فيسبوك الشخصيات السياسية المحلية. زوجته وابنهما الرضيع لم يراه منذ ذلك الحين.
وأضافت “حتى لو كان شخص ما مجرما، فانهم لا يستطيعون إبعاده وعدم إعطاء أسرته أي أخبار”.
وقال صدام الأدور، وهو ناشط محلي في مجال حقوق الإنسان، إن مثل هذه القضايا تبدو أقل شيوعا مما كانت عليه في أجزاء أخرى من اليمن، ولكنه يعرف أكثر من 10 أشخاص اعتقلوا لأسباب سياسية واضحة.
وقال “إن القضايا السياسية لا تذهب أبدا إلى المحكمة”.
شيوع الأعمال
من ناحية أخرى سلطت الصحيفة الأمريكيَّة نظرة على ازدهار الأعمال في مدينة مأرب، ونقلت عن محمد زبايين، وهو مدير الأعمال في شركة عائلية كبيرة ذات مصالح في الخليج، وقله إن العائلة نقلت أعمالها من اليمن في عام 2011 مع انتشار الاضطرابات.
والآن، عادوا، وأطلقوا مشروعا بقيمة 8 ملايين دولار لبناء منطقة حديثة تجمع بين العقارات السكنية والتجارية.
كما أن المشاريع الأخرى قد انتعشت أيضا مثل مركز التسوق الفاشل الذي بنيته أسرته في عام 2006. وبعد أن كان شاغر إلى حد كبير لسنوات، فان محلاته ال 104 كاملة تعمل وأن العائلة تدرس بناء المزيد.
وقال “هناك مستقبل لمراكز التسوق في مأرب”.
المصدر الرئيس
As Yemen Crumbles, One Town Is an Island of Relative Calm