(انفراد) 12 فصيل مسلح و55ألف مقاتل يمني.. هل يمكن التنبؤ بموعد انفجار بركان عدن؟!
تقرير يسرد وقائع زيارة مبعوثة صحيفة سويسرية ناطقة بالألمانية إلى مدينة عدن، مشاهداتها ولقاءاتها وتوقعاتها ونظرتها للحكومة الشرعية وأدوار الأطراف المختلفة. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ ترجمة خاصة:
نشرت” صحيفة نويه تسوريشر تسايتونغ” السويسرية تقريراً عن زيارة مبعوثة لها إلى محافظة عدن العاصمة المؤقتة لليمن، وحذرت من أنَّ الوضع في هذه المدينة قابل للانفجار في أي لحظة دون التمكن من التنبؤ بموعد حلول هذا الانفجار.
وأشارت في التقرير المنشور إلى أنَّ عدن تحوي 12 فصيل مسلح تضم 55 ألف مقاتل وهذه الفصائل ضمن ولاءات مختلفة، في حين أنَّ المدينة لا تحتاج سوى إلى 6000 عنصر من الأمن لتأمينها وهم موجودون بالفعل.
ويبدو أنَّ مبعوثة الصحيفة إلى عدن وصلت خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، حسب ماتشير وقائع من التقرير الذي ترجمه “يمن مونيتور” من النسخة الألمانية للصحيفة.
ويقول التقرير: “قبل أنَّ تهبط الطائرات في عدن، فإنها تحلق قليلاً فوق المدينة الساحلية، التي تنظر إليها من الأعلى كنقطة جبلية متألقة في البحر. وعلى حافة المدرج تشاهد الثكنات العسكرية ودبابات مصطفة. يُفتح باب الطائرة يستقبلنا حرّ المدينة الشديد، على الرغم من كونها في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية. “مرحباً” تستقبلنا لافتة نصف متفحمة عند المخرج- كأنها جزء من المعارك التي وقعت في المدينة-. مسلحون بأزياء مختلفة وبعضهم مقنعين يقودون شاحنات صغيرة في الشوارع”.
مشهد عدن
مونيكا بولليغر الصحافية التي افتتحت تقريرها بتلك المقدمة، تشير إلى تجولها في مدينة عدن، ومشاهدتها فنادق مدمرة ولوحات إعلانية بدون صور لم يتبق إلا هياكلها من الحديد معلقة. ومرت أيضاً بمراكز الأمن التي أحرقت جزئياً وهي محاطة بأكيس من الرمل والكتل الخرسانية ولكنها ما تزال تعمل. الحرب في عدن قد انتهت، ويقول الناس، وفي المحادثات مع هؤلاء السكان يبدو أحيانا كما لو كان القتال في بقية البلاد على كوكب آخر. ولكن في عدن، تعيش في هدوء متوتر، فالخط الأمامي للحرب يقع على بعد بضع ساعات.
ففي مستشفى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على سبيل المثال، يعالج الجرحى، الذين انخفض عددهم. وقال الطبيب علان سهيم انه وفي وسط الحرب عام 2015م كانوا يستقبلون600 جريح في الشهر. وفي غرفة مجاورة يتم التعامل مع صبي يبلغ من العمر ثماني سنوات، مهدد بفقدان ساقيه لأنه دخل حقل ألغام بينما كان يرعى الأغنام. وإلى جواره مراهق في 17 من عمره يعاني من جرح ناري في ذراعه أثناء القتال وقال إنَّ كانت إصابته بخير يريد العودة للجبهة من أجل القتال. ويؤكد أنه ما يزال في ( 17 من العمر).
نصف الحكومة في المنفى
ويسرد التقرير تالياً الحالة السّياسية والأمنية في المدينة: “في الحرب الأهلية اليمنية يتقاتل الحوثيون القادمون من الجبال في الشمال ضد تحالف فضفاض من الحكومة التي تدعمها قوات التحالف بقيادة السعودية. وكان الحوثي قد طرد الحكومة خلال انقلاب من العاصمة صنعاء في عام 2015 ثم توجه إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية. بعد أربعة أشهر من القتال الخاسر والمساعدات العسكرية من المملكة العربية السعودية والإمارات، تم استعادة عدن في صيف عام 2015. واتخذت الحكومة اليمنية المدينة مقرا مؤقتا لها. وزائر هذه المدينة الساحلية سيلاحظ بسهولة أن الحكومة اليمنية لا تحكم السيطرة على المدينة.
وتشير الصحيفة: على سبيل المثال لايزال العديد من أعضاء الحكومة في الرياض، لأغراض أمنية. ومن بين هؤلاء المسؤولين الحكوميين، الرئيس، عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر. كما أنَّ محافظ المحافظة الذي تم تعيينه في منصبه في ابريل/نيسان في القاهرة، فلم يتمكن من الوصول إلى منصبه حتى اليوم. وقال نائب وزير الإعلام اليمني، حسين باسليم،: “نحن مجموعة صغيرة من الأشخاص نسعى لفرض وجود الحكومة هنا”.
وقالت الكاتبة: “دخولنا إلى مكتب باسليم، عبر فناء خلفي رث يحرسه رجال مسلحون بزي مدني”. وتقع وزارة الإعلام اليمنية بصفة مؤقتة في مقر صحيفة حكومية نظرا لشح العقارات في المدينة. ويحاول موظف في الوزارة يدعى عرفات مدابش، تقديم صورة أجمل وقال إن “الحكومة تعمل بشكل فعال، لكننا نحتاج إلى المزيد من الدعم الدولي خاصة وأن منظمة الأمم المتحدة تتعامل مع الانقلابيين في صنعاء”. من الملاحظ أن هذا الموظف ينتقد وجود بعثة الأمم المتحدة في صنعاء وفيما الحكومة الشرعية تتمركز في عدن.
وأشارت إلى أنَّ “هناك علم يمني وحيد على المكتب وهو الوحيد الذي لاحظناه خلال الإقامة في عدن. بينما الشوارع والساحات ونقاط التفتيش، يلاحظ أنَّ علم جنوب اليمن هو الموجود والذي يدعو للانفصال عن الشمال. وكان الجنوب حتى عام 1990 يملك الجمهورية الاشتراكية الخاصة به، المتحالفة مع موسكو، وكان مهملا بشكل منهجي بعد التوحيد مع الشمال. والآن وبعد أن اجتاحت الميليشيات الشيعية الشمال، أصبحت فكرة استقلال الجنوب أكثر شعبية من أي وقت مضى. لا يريد الجميع الانفصال، ولكن السكان بسرعة يحنون إلى تلك الدولة خلال الأحاديث، إذ يتذكرون فترة الاستقلال التي كان كل شيء أفضل في عدن”.
صعود الانفصاليين
وتقول الكاتبة: “عزز الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال من قوته خلال الحرب الأهلية اليمنية المستمرة، إذ أنَّ ما طرد الحوثيين كانت ميليشيات انفصالية. عيدروس الزُبيدي وهو محافظ عدن السابق وقائد شعبي، رفضه هادي في ابريل الفائت وعزله من منصبه لأن هادي لا يريد الانفصال عن الشمال. وفي منتصف شهر أكتوبر الماضي، دعا الزبيدي أمام جمع من الأنصار إلى إجراء استفتاء حول انفصال جنوب اليمن”.
وتستدرك الكاتبة بالقول إنَّ “نزاع الحكومة مع الانفصاليين ليس هو فقط ما يقسم عدن. فقد كانت الحرب ضد المتمردين الحوثيين خليط من الإخوان المسلمين والسلفيين والانفصاليين وأنصار الحكومة واتحدت هذه التنظيمات في معركة واحدة. ولكن منذ طرد الحوثيين من عدن وفقدان العدو المشترك بدأ هذا الاتحاد بالانهيار”.
وأشارت إلى أنه ومنذ انتهاء الحرب بلغ عدد الجماعات المسلحة الفردية (خارج القوات الحكومية) حوالي 12 فصيلة مسلحة تتنافس على النفوذ في عدن. وفي حين يبلغ عدد قوات الأمن في المدينة 6000 فرد -ولا تحتاج غيرهم لفرض الأمن- فإنه يوجد حوالي 55 ألف مسلح في المدينة. وما يجعل الوضع أكثر إرباكاً أنَّ الإمارات والسعودية تدعمان مجموعات مختلفة!
يتوق سكان عدن إلى العودة لحياتهم الطبيعية. “لقد أصبحت حياتنا مملة” تشكو طالبة التقت بها الكاتبة مع صديقاتها في مقهى. وتضيف “نحن لا نخرج كثيرا، عائلاتنا خائفة من حدوث مكروه لنا ونحن في الخارج فيما جميع الرجال في المقاومة المسلحة فلا يوجد شيء آخر ليقوموا بعمله”. لذلك كان على المقهى أن يقدم مناطق منفصلة للرجال وأخرى للعائلات والنساء بسبب تهديدات السلفيين.
في نفس الوقت يحاول السكان عدم التخلي عن الحياة الطبيعية. لذلك -تقول الكاتبة- “وجدنا بشكل غير متوقع معرض فني في الهواء الطلق، يتجمع حوله حشد صغير من الناس يشاهدون لوحات مبتذلة التي تصور لحظات رومانسية تحوي القوارب والغروب وأخرى لتحرير المدينة”. “ولكن يجب أنَّ تشاهد وجود علم الجنوب بشكل دائم في الصور والمعرض”. مكان المعرض يبدو سريالية بعض الشيء فهو يقوم خلفية بقايا مركز التسوق المحترق الذي دمر بالقنابل.
وتقول الكاتبة: “مع ذلك، فإن اثنين من المصورين الشباب الذين وثقوا المعرض، متفائلون إلى حد بعيد. بعد وقت قصير من مغادرتنا المكان، علمنا من الأخبار أن أشخاصا مجهولي الهوية ألقوا قنبلة مسيلة للدموع على زوار المعرض، مما أسفر عن إصابة امرأة بجروح؛ وقال المصوران إنهم فقدوا التفاؤل”.
المنطقة الخضراء في عدن
ومنذ وقت ليس ببعيد حاول مسلحون سرقة بنك تديره الدولة وأطلقوا النار على مدير البنك. كان المهاجمون المجهولون ملثمون وارتدوا الزي الرسمي للجيش – حلقة أخرى تبين مدى الخلط في الوضع الأمني. وبالتالي، فإن مؤسسات الحكومة يصعب الوصول إليها ضمن وصول مقيد بالكثير من الحواجز والنقاط الأمنية: “إنه شيء مثل المنطقة الخضراء في بغداد”، حسب ما أشارت جهة اتصال مؤثرة لا تأمل في تأجيل غداءنا المتفق عليه للحصول على موعد في “الدائرة الحكومية”.
وتشير الكاتبة إلى أنه و”للوصول إلى تلك الدائرة الحكومية، ركبنا إحدى سيارات الدفع الرباعي، وفي صندوق مفتوح يجلس اثنين من المسلحين يحاولان التمويه على هويتهما التي تبدو أكثر كخليط بين الميليشيات وقوات أمن أو شيء من هذا القبيل. يحملان وجبة عشاء قاما باقتنائها من المطعم. وقد كانت هذه الوجبة مكونة من السلطعون والجمبري والصلصة مع الأرز باللحم المتبل. وعند مدخل “الدائرة الحكومية”، يسلم الرجلان أسلحتهما قبل أن نمر بالعديد من نقاط التفتيش. وقد استقبلنا مضيفنا بشيء من الثقة، قائلا إنه “في سنة 2015، هربت إلى جيبوتي على متن قارب صغير. ومن ثم ذهبت إلى الرياض على متن الطائرة. والآن، عدت إلى عدن”. وقال إنه يريد الإبقاء على رأي يشير إلى أنَّ الأمور ستتحسن ببطء.
واتجهت الكاتبة مع الآخرين إلى القصر الجمهوري حيث استمرت العديد من نقاط التفتيش، “وهو بالطبع فارغ- تقصد القصر- خاصة وأن هادي في المنفى”. ويشاع أن الإمارات لن تسمح له بالعودة، إذ أنها ليست على علاقة جيدة مع هادي. وقد استخدمت أبو ظبي الحرب ضد الحوثيين لإقامة منطقة نفوذ خاصة بها على طول الساحل اليمني. ومع ذلك، فإن استراتيجية المملكة العربية السعودية والإمارات في اليمن ليست واضحة. انتقد ممثل عن الحكومة اليمنية عدم تعاون التحالف العربي مع السلطات اليمنية وعدم استيعاب الإمارات العربية المتحدة للواقع السياسي اليمني المعقد. وفي سياق متصل، أفاد أحد المراقبين، قائلا: “لا نعلم حقيقة التحالفات التي يمكن أن تتغير بصفة دائمة”.
الهدوء قبل العاصفة؟
لذلك، لا يرغب العديد من المحاورين في نقل أسمائهم، وبعضهم يتردد في مقابلة الصحفيين- تضيف الكاتبة- وفي الوقت نفسه، يشكو نشطاء حقوق الإنسان من ازدياد عدد الأشخاص الذين يتم إخفائهم. أفادت إحدى الناشطات أن “مدينة عدن تضم عددا من السجون التي لا تعلم الحكومة اليمنية شيئا عنها”. أما إنَّ كانت الإمارات وراءها، كما كشف تقرير وكالة أنباء أسوشيتد برس، فالناشطة لا تريد أنَّ تؤكد. في حين شددت على أن الجهاز القضائي يرى أن الوضع غير آمن وغير ملائم للعمل. وقالت الناشطة إن “الأهالي يعيشون حالة من القلق الشديد نظرا لأن المدينة لا تضم مؤسسات رسمية، وهو ما يمثل مشكلة”.
واختتمت الكاتبة بالقول: “تعيش مدينة عدن، التي تتميز بحرها الشديد على خلفية وجودها على فوهة بركان، في كنف الهدوء. وفي الأثناء، تلوح بوادر توترات في الأفق، حيث لا يمكن التنبؤ بالوقت الذي قد تنفجر فيه الأوضاع. وفي هذا الصدد، أورد مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ماجد المذحجي، أن “الوضع في اليمن مقبل على التأزم في أي وقت، حيث ينتظر جميع الأطراف الفرصة السانحة لصب الزيت على النار”.
المصدر الرئيس
Zu Besuch in Jemens temporärer Hauptstadt, in der sich Zehntausende rivalisierende Bewaffnete tummeln