كتابات خاصة

الهروب من جحيم الواقع

إفتخار عبده

تعتصر أفكارُنا في مخيلاتنا ونرتشفُ الفنجان بعد الآخر، ونأملُ أن  نصلَ إلى فكرةٍ رائعةٍ وجميلة تقينا شر الواقع وتنقذنا من الأوهام القاتلة، ونفتحُ مجالاً واسعاً للأحلام الكبيرة والعظيمة التي لا مدى لها.

تعتصر أفكارُنا في مخيلاتنا ونرتشفُ الفنجان بعد الآخر، ونأملُ أن  نصلَ إلى فكرةٍ رائعةٍ وجميلة تقينا شر الواقع وتنقذنا من الأوهام القاتلة، ونفتحُ مجالاً واسعاً للأحلام الكبيرة والعظيمة التي لا مدى لها.
نحن نفكرُ ونجتهد نعمل ونحاولُ ونبادرُ أيضاً لكن مايعجبنا ويشدنا إليه هو الخيال.. نحب أن نهربَ إلى الخيال  كثيراً لأنه أرحمُ بنا من الواقع المشؤوم.. فبما أن الواقع قد أصبح جحيماً لا نجاةَ فيه، نحن نهرب منه بكل قوانا وإرادتنا.. نهرب من جحيم الواقع إلى فردوس الخيال.
قد يقال لنا أننا لا نفعل وأننا عاجزون لانقدر.. في الحقيقة لا.
نحن  ننظر ونفكر ونعقل، فعندما عملنا على عقلنا أدركنا الواقعَ على حقيقته  فتقطعتْ أوصالُنا قهراٌ وعجزاً وتهنا كثيراً في حقائق الواقع ومزرياته.
أردنا أن نعمل فلم نجد مانفعله..كُلَّتْ أيدينا من كل ناحية وسُدَّتِ الأبوابُ أمامَنا، ثم أردنا أن نصرخَ فوجدنا الواقعَ يلجمنا بلجامٍ من القمع والجبروت والتصدي، وها نحن توكلُ الأمورَ إلى بارئها؛ ألمْ يقل سيدُ البشريةِ ومعلّم الأمة محمد(ص): “إذا رأى أحدكم منكراً فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان”.
نحن حاولنا جاهدين أن نغيرَ مافي الواقعِ من منكرٍ بأيدينا فلم نسطعْ، وأردنا أن نغيره بألسنتنا ولم  نقدرْ؛ لكنا نقدرُ على المرحلة الأخيرة ونرضى لأنفسنا أن تكون في مرتبة (أضعف الإيمان)؛ فالواقع الأليمُ بما فيه من جراحٍ وآلام يتعبنا كثيراً، وما يجري فيه منكرٌ.
على أية حال.. نحن ندرك هذا حقيقةً ظاهرةً أمام أعين الجميع، لكنا وعندما وصل بنا العجز إلى هذه المرحلة المتقدمة من التراجع رضينا بها رغماً عن أنفنا، وأردنا بعد ذلك أن نهرب من هذا الواقع المحبط إلى الخيال الواسع الكبير الذي نجد فيه كل مانتمناه ونحلم به.
نعم سنشرب القهوة اليمنية الأصيلة، ونسرح  بخيالنا نحو عالمٍ محبوبٍ وجميل.. نتلذذ بما فيه من جمال في الطبيعة وأناقة في الرؤى، وطهرٍ في القلوب والنفوس البشرية التي لم نجدها على أرض الواقع ولا بأي شكل من الأشكال.
فهناك سنلتقي بالصدق الذي أصبح أضحوكةً في هذا الواقع إنْ وجد، وسنلتقي بالنقاء الذي تلاشى تماماً من واقعنا.. سنجد العدل الذي تقهقر، وانتهى.
هناك فقط سنلتقي بحقوقنا، وسنبوح بكل ما تختلج به خيالاتنا وصدورنا، وسنمطر على الذين أقهرونا بالحجج والمقاضاة.. سنحاسبهم جيداً وسنأخذ حقوقنا وممتلكاتنا منهم وسنستريح قليلا.
هناك سنضحكُ بأصواتٍ مرتفعةٍ، ولن نضعَ أيدينا على أفواهنا خشية أن يسرِقَ أحدٌ علينا ضحكتنا بصفعةٍ جديدة.. سنذرفُ دموعَ الفرح والحزن، وسنتكلم كما نريد، وسنعمل ما نريد ونأكل ما نريد ونقرأ ما نريد، وسنصلي كما نريد، وسنؤدي الفرائض كما جاءت لنا من عند بارئنا لا كما شئتم.
هناك فقط سنعيش حياةً حقيقةً  تليقُ ببني الإنسان، وتقدسُ الذاتَ البشرية.
قولوا ماشئتم عنا وانفوا العقلَ عنا إن أردتم؛ فنحن قد تجردنا من كل شيء.. تجردنا من الواقع،  وها نحن نتجردُ من ذواتنا، وننقلُ أرواحنا إلى أماكن ترتضيها وتليقُ بها.. فكما شئتم تحدثوا  وما أردتموه اصنعوه فلسنا نعبه بواقعكم بمن فيه.
قولوا ما شئتم لقد تجردنا منكم كما نتجرد من ملابسنا الرثةِ القديمةِ ونلبس غيرها، كيما نكون بأفضل مظهر، وتستريح نفوسُنا..
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى