مليشيا صنعاء تسيطر على المنطقة بتعز، وتحرك المواطنين مسموح داخل النفوذ المليشاوي المتعجرف، كان على المسعفين أن يأخذوا الجثتين مراهنين على عرْقٍ ما ينبئ بالحياة، على رمق أخير يمكن أن ينهض.
لم يأمن الأستاذ التربوي على نفسه من المليشيا، لقد انحاز للمقاومة، وكان عليه ترك أسرته في ريف تعز، وفضل المكوث داخل المدينة المحاصرة. لقد استنتج بنباهة التربوي الخبير أن المليشيا ستبطش به بسبب موقفه المجابه لملشنة الحياة، ستؤذيه على نية وقرت داخله أو همزة شيطان متجمل يصور الأستاذ بأنه خبير حروب.
ترك عائلته هناك، مراهنًا على أخلاق اليمنيين في ذروة الصراع، وأن المليشيا لن تتردى إلى حضيض الوضاعة وتصل بها مستوى البشاعة لإعدام امرأة ثلاثينية وابنها، وإصابة أخ؛ بسبب موقف رجل غائب.
الأستاذ طه حسن، لم تتكمن عدسات التصوير، على كثرتها، من التقاط آثار صدمته فور وصوله النبأ الأليم: مقتل زوجته اتحاد، 32 سنة، وابنه أنس 15 سنة، وإصابة أخيه بجروح. لقد عادت الأسرة من حفلة عرس ليلة الجمعة، صخب البهجة مازال يدوي في الآذان، ليصل بعدها طقمًا للمليشيا، قتلوا أنس، فخرجت أمه لتنصدم بالفاجعة، لكن أفراد المليشيا لم يمنحوها وقتًا أطول لتتغلغل الفاجعة بداخلها، أطلقوا النار على ظهرها المتقوس الذي يحتضن جثة الابن المضرج بالدم بحنو بالغ، أطلقوا النار بغزارة، بحيث أن أنفاسها لا تنشغل في طول الطريق. سيأتي العم مستفسرًا فيصاب بالرصاص هو أيضًا.
مليشيا صنعاء تسيطر على المنطقة بتعز، وتحرك المواطنين مسموح داخل النفوذ المليشاوي المتعجرف، كان على المسعفين أن يأخذوا الجثتين مراهنين على عرْقٍ ما ينبئ بالحياة، على رمق أخير يمكن أن ينهض، إلا أن نقطة للمليشيا احتجزتهم على مدخل الحوبان. وحين سمحوا لهم بالمرور، كما رويت الحادثة، قام أفراد المليشيا بمرافقة المسعفين إلى المستشفى ثم قاموا باعتقالهم.
في الثالثة ليلًا قامت المليشيا بإعادة الجثتين الهامدتين إلى المنطقة.
ثم منعت الناس من تشييع القتلى. المشي خلف الجنائز يخيف المليشيا..
هذه هي القصة التي لم تنته عند هذا الحد.
التجمهر في المقبرة يوم سبعة أكتوبر كان ممنوعًا. وبما يشبه التفضل والمنة سمحت المليشيا لخمسة عشر شخصًا، هم حملة الجثتين، سمحت لهم بإجراء مراسيم الدفن، بطقوس جنائزية بسيطة بحيث لا تشمل تجمع أكثر من خمسة مرة واحدة لمعاينة اللحد. مراسيم مطوقة بالمليشيا، الأصابع على الأزندة، وعيون الحيرة تنطلق من النوافذ التي تراقب المشهد بصمت رهيب.
نفيسة، طفلة تبدو من ملامحها في سن العاشرة، هي أخت أنس وبنت اتحاد. ستظهر متحجبة برداء مزركش، وأسفل ذقنها اللثام وقد أزاحته عن فمها الجاف ووجهها الممتعق بالفاجعة، ظهرت إلى جوار والدها الأستاذ طه في المدينة، كأنها أخفت ملامحها طيلة الطريق خشية أن تعرفها المليشيا فتبطش بها كما فعلت بالعائلة.
الأخ مصاب،
اتحاد ذهبت مع ابنها أنس،
وبقي الأخ والأب والزوج طه مع ابنته نفيسة، وباعتبار أن المسعفين المعتقلين من أولي القربى، ستكتمل وضاعة المليشيا بما ارتكبته بحق أسرة واحدة، لم تُثِر نكتبها منظمات العالم ولا حتى ناشطي العالم الافتراضي.
هذه الأسرة، كما يبدو من اسمها البسيط، لم تسع خلف منصب طبقًا لمؤهل شجرة العائلة، حيث تسعى المليشيات للقبض على رقاب اليمنيين بذريعة حقها الإلهي في الحكم. طه حسن، رب الأسرة، أستاذ بلا راتب، انحاز للشرعية، ليفقد أسرته في ذات الوقت الذي يضج فيه اليمنيون على قوائم العوائل المتنغنغة في رفاه التعيينات الحكومية، إذ معظم وزارء الشرعية في هذا الوقت المزري يقومون بتوظيف أقاربهم، لتتضح الوضاعة هنا، والوضاعة هناك، بنسب متفاوتة.
أسرة تموت بسبب موقف انحاز للشرعية
وأسرة تتوزع على الكراسي..
وأناس يقذفون بأنفسهم إلى الهلاك من أجل عائلة آل الدين
كل ذلك بعد ثورة قامت على عائلة اسمها صالح.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.