21 سبتمبر في اليمن.. النكبة التي تحاول طمس “الثورة الأم”
من رحم الثورة الأم 26 سبتمبر ولدت ثورة 14 أكتوبر، وكذلك ثورة الشاب السلمية 11 فبراير 2011. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من يونس عبدالسلام
من رحم الثورة الأم 26 سبتمبر ولدت ثورة 14 أكتوبر، فيما كانت ثورة الشاب السلمية 11 فبراير، امتداد لهاتين الثورتين، وعليها علق الشعب آمالاً عظيمة، ورأى من خلالها نافذة ضوء في النفق المظلم الذي استبد بالبلاد لنحو ثلاثة عقود.
في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، اجتاح الحوثيون صنعاء بمساندة كبيرة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح تحت مبرر إسقاط الجرعة التي أقرتها حكومة باسندوة، تسبب ذلك في شلل تام لمؤسسات الدولة؛ فلا رواتب، لا كهرباء، لا خدمات صحية، لا إسقاط للجرعة، بل سقوط للدولة بكل قوتها.
يحتفل الحوثيون، اليوم، بالذكرى الثالثة لما يطلقون عليها “ثورة” في وضع استثنائي تعيشه البلاد بشكل عام، وصنعاء بشكل خاص، حيث آخر ما يعانيه المواطن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين انعدام شبه تام للغاز المنزلي وارتفاع لسعره بنسبة 25%.
بماذا يحتفل الحوثيون؟
مؤخراً، لم تعد تحظى جماعة الحوثي المسلحة باحترام في أوساط العامة أو حتى بالخوف الذي كان يسيطر على الناس في الشوارع والباصات وفي الأسواق، حيث تعم حالة من السخط أرجاء العاصمة. يرى الكثير من المواطنين أن أمر احتفال الحوثيين لا يعنيهم ولا يهمهم، في وضع يرون أنه من البذخ أن تحتفل جماعة مسلحة عجزت عن تسليم مرتبات الموظفين أو الوفاء بأبسط التزاماتها تجاه الناس.
يرى المواطن “ابراهيم عبدالله الشرعبي”، أن احتفال الحوثيين بـ21 سبتمبر يأتي في اطار تصديرهم لهذه النكبة، وكأنها ثورة حقيقية.
مضيفا في حديث لـ”يمن مونيتور”، “هم (يقصد الحوثيين) يريدون من خلال هذا الاحتفال طمس ثورة 26 سبتمبر، وتصدير الفوضى التي حدثت في 21 سبتمبر 2014 باعتبارها ثورة، وما هي في حقيقة الأمر إلا انقلاب واضح على ثورة 26 سبتمبر وأعادتنا إلى ما قبلها.
وفي السياق، كشف وزير المالية التابع لحكومة صنعاء في كلمة له أمام مجلس النواب أمس الأول عن جرعة سعرية جديدة في خدمات الاتصالات والإنترنت والسجائر بنسبة 100 %. كما ارتفعت المشتقات النفطية إلى ثلاثة أضعافها وتزاحم اليمنيين أمام محطات الغاز، قبل يوم من احتفالات الحوثيين في صنعاء والمقرر غداً الخميس.
إجبار للتجار على دفع مبالغ مالية..
أفاد عدد من التجار وأصحاب محالات ومطاعم في العاصمة صنعاء أن الحوثيين ولمرات متكررة آخرها هذا الأسبوع يطلبون مبالغ مالية معينة مقابل إنجاح فعالية 21 سبتمبر، وتحدث أحد التجار طلب عدم ذكر اسمه، لـ”يمن مونيتور” قائلا: أنا مجبر على إعطائهم، لأنني رفضت أول مرة فهددوني بإغلاق المحل واقتيادي إلى السجن.
وتابع: الكل يعرف أن وضعنا نحن سيء بالنسبة لما قبل 2014 لكننا مجبرين على التعايش مع هذا الحال، وفوق هذا علينا أن ندفع لهم ما يريدون حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
صنعاء.. استعدادات غير مسبوقة
منذ أكثر من أسبوعين وجماعة الحوثي تنفذ حملة إعلامية غير مسبوقة في صنعاء في اطار ما يراه بعض المحسوبين على المؤتمر تحشيدا ضد “صالح” ورسالة مفادها “أننا هنا” وفي نفس المكان الذي احتفلت به الشهر الماضي.
يتساءل عبدالباري محمد في حديث لـ”يمن مونيتور”، (أحد أفراد السلك العسكري) عن كيفية حصول الجماعة على هذا التمويل لحملاتها المتتابعة وفعالياتها في وقت لا تلتفت فيه لمعاناة الموظفين الذين تجاوزوا العام والنصف دون مرتبات؟
وأضاف: “هؤلاء ليس همهم دولة ولا إدارتها ولا يلتفتون للشعب وإنما كل ما يعنيهم إتمام مناسباتهم وإلصاق صور سيدهم وشعاراتهم الطائفية”.
وكان الحوثيون استعرضوا، اليوم الأربعاء، بعدد من المدرعات العسكرية الإماراتية، وكما ذكرت مواقع إخبارية تابعة للجماعة أن تلك المدرعات حصلت عليها الجماعة من جبهات القتال فيما يرى آخرون بأنها من سلاح الدولة الذي سيطرت عليه أثناء اجتياحها للمعسكرات في 2014.
كما أفاد مصدر في الجماعة أن يوم غد سيكون هناك عرضاً عسكرياً للحوثيين في ميدان السبعين.
ردود فعل..
اللافتات التي علقت في شوارع صنعاء، وكأي مناسبة تحييها الجماعة أثارت موجة سخرية وغضب هائل على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث نشر عدة نشطاء صوراً للافتات كتبت عليها عبارات يرى أولئك النشطاء بأنها بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش وعن حالة الشعب المزرية، إضافة إلى ذلك لم يسلم بعض مثقفي اليسار الذين وقفوا إلى جانب الحوثيين، من موجة سخط وسخرية وإعادة لمنشوراتهم التي احتفوا بها في تلك الأيام من أيلول 2014.
وفي السياق ذاته، يرى الصحفي فتحي ابو النصر، عبر منشور له في فيس بوك، أن اختيار الحوثيين لميدان السبعين مكانا لاقامة احتفالهم، أنه “من العار أن ساحة كالسبعين المقترنة بحدث جمهوري باسل ضد الإمامة هو الدفاع عن صنعاء وانتصار الجمهورية صارت ساحة للعبة صالح التوريثية ولعبة الحوثي الإمامية أيضا”.
ويرى “صادق القاضي”، استاذ النقد الحديث في جامعة تعز (حكومية) أن الناس يفرقون بين الثورة والانقلاب على محك أسعار المواد الاستهلاكية، إذا هبطت فهي ثورة مباركة، وإلا فهو انقلاب جائر.. عندهم حق، في الأخير الثورات لا تصلح للأكل، والشعارات لا يمكن مقايضتها بالأدوية.
إضافة إلى عامة الناس الذين يرون في اللوحات والسيارات التي تجوب صنعا بمكبرات دعوة لحضور السبعين ترفاً زائداً عن الحاجة متسائلين عن ما الذي يمكن لهذه اللوحات والنداءات فعله؟ وماذا سيقدم لنا الحوثيون بعد 21 سبتمبر غير ما قدموه من كوارث.
ما بين سبتمبر1962 وسبتمبر2014..
ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962، مثلت ميلاداً للجمهورية اليمينة وسعت لتحقيق دولة قوية ذات سيادة وطنية وجيش قوي، وإن لم تحقق كامل أهدافها كما يرى بعض المراقبين، إلا أن أحداث 21 سبتمبر 2014 جاءت على النقيض تماماً، وليست كما يزعم الحوثيون، جاءت لتعيد التأريخ إلى ما قبل 62 ولا مجال للمقارنة.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي ياسين التميمي أن احتفال الحوثيين بما يسمونها “ثورة” ٢١ سبتمبر الهدف منه تأسيس وعي جديد أكثر تقبلاً لعودة الإمامة وإسقاط ثورة 26 سبتمبر.
مضيفاً “حركتهم المسلحة لم تخرج أبداً من سياقها التاريخي باعتبارها احد جولات العنف التي كانت تسبق تنصيب الداعي إلى الإمامة.
واستطرد في تصريح لـ”يمن مونيتور”، المشكلة ليست في طموح الحوثيين لاستعادة الإمامة ولكن في اولئك الذين اؤتمنوا على الثورة والنظام الجمهوري وسخروا أدواته لاسقاط الدولة والجمهورية، بعد أن ساهموا بإدارتهم الفاسدة طيلة أكثر من ٣٠ عاما في تقويض مصداقية دولة النظام والقانون، وحالوا دون تبلور مفهوم راسخ للمواطنة بعد أن غيبوا دولة المواطنة.
وختم بالقول: المعركة تدور مع الإماميين الجدد وهم الْيَوْمَ يمارسون مراوغة مفضوحة بادعاء انتمائهم لثورة ٢٦ سبتمبر التي قوضت سلطانهم في الوقت الذي يستمرون في تقويض ما بقي من النظام الجمهوري في المناطق التي يسيطرون عليها.