ثوبها اسود.. يتمرد علی هدوء الأبيض.. ويصرخ صرخة حزن تهتز لها المقبرة.. أما هي فتبتسم أمام ذلك القبر.
ثوبها اسود.. يتمرد علی هدوء الأبيض.. ويصرخ صرخة حزن تهتز لها المقبرة.. أما هي فتبتسم أمام ذلك القبر.
قبر يخفي في ظلمته أحدهم!
تقدمت نحوه بخطوات ثقيلة حتى جلست بجانبه.
ما إن جلست وهي تتأمل ذلك القبر إلا وسقطت دموعها، وبعد أن قرأت سورة الفاتحة ودعت له الكثير تنهدت حسرات وهي تقول في داخلها:
“أنا أيضا اشتقـت لك، نم بسلام فانا كما تركتني لم اتزوج بعدك ولن اتزوج رغم أن اهلي يحاولون ذلك، ابنتـنا بخيـر وهي الآن ستدخل في الصف الثالث لكن.. سكتت.. وعيناها تتكلم دموعا
ثم واصلت كلامها:
الوضع بعدك لم يكن كما كنا نحلم، البلاد مازالت في حرب وكل شيء أصبح سيئا..
صورتك المعلقة في جدار غرفتنا وأنت مبتسم هي الشيء الوحيد الذي يجعلني ابتسم.
ثم تصمت هي لتتكلم الذكريات
تذكرت يوم عيد ميلادها وتلك الحفلة التي نظمها زوجها وابنتها.. لكم أنهكهم الرقص والضحك يومها!!
تذكرت كل تفاصيل ذلك اليوم، بضحكته وجنونه ورقصه وعطره
ثم تواصل:
لقد جلبت لك وردة بيضاء.
اتتذكر عندما كنت تقول لي
“إن الحب نقيا نقاء اللون الأبيض.. كنت تقول لي ذلك وأنت تضع علی خدي قبلة كلما اهديتني وردة”.
و ها أنا أجلبها لك وفاء لحبنا وسأظل أجلب لك وردة بيضاء في كل زيارة إليك حتى آخر نبض في قلبي.
و توشك علی البكاء.. لكنها تذكرت آخر كلماته صباح ذلك اليوم
عندما كانا يتحدثان حول الحياة والموت وخوف كل منهما من موت الآخر قال لها:
“في ذات يوم إن حصل لي مكروه لا تبكِ فأنا سابقى حيا ما دام قلبك يذكرني ونحن معا ما دام ابنتنا تحمل ملامحنا معا”.
ثم دمعت عيناها كثيرا حين تذكرت التزاماتها تجاه ابنتها للعام الدراسي الجديد وتذكرت ايضا أن عليها سداد ايجار الشقة التي تقطنهـا..!!
كان راتبه يكفي لسداد ايجار الشقة وبعض الالتزامات لكن الآن لم تعد هناك مرتبات..!
عادت بها الذاكرة مرة اخرى عندما كانا يتحدثان عن الوطن والذي يسري حبه في كل عروقه، حتى إن جدران شقتهما تتزين بصور لكل مناطق اليمن.
قالت في داخلها وهي تتنهد حسرات
وأي وطن نحن فيه اليوم؟!
اهو هذا الذي أصبح خصيم لنا يناصبنا العداء.. شوارعه.. سماواته.. هواؤه.. الذى يفرض علينا الزفير دون الشهيق.. لم يبقى لنا من علاقة به إلا غباره وترابه العالق في أحذيتنا..
فتكشف شفتيها عن ابتسامة حزينة. ولكنها لم تبكِ.
فيغادر الثوب الأسود المكان تاركا وردة الحب فوق القبر تذبل على مهل كما ذبلت ملامحها.. غادرت وقد وعدته بانها ستجلب في كل سنة من هذا اليوم ورودا أخری حتی تذبل هي.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.