لا يكاد يمر أسبوع إلا وأصدرت منظمة أممية معنية بالمجال الإنساني أو الحقوقي بياناً، أو تقريراً عن الوضع في اليمن، تحذّر فيه من التداعيات الكارثية لاستمرار الصراع، وتدعو فيه المجتمع الدولي للوفاء بتعهداته، ولكن لا جديد على حياة الضحايا والمتضررين، والمشكلة الأكبر عن هذه المنظمات، وليس المانحين.
لا يكاد يمر أسبوع إلا وأصدرت منظمة أممية معنية بالمجال الإنساني أو الحقوقي بياناً، أو تقريراً عن الوضع في اليمن، تحذّر فيه من التداعيات الكارثية لاستمرار الصراع، وتدعو فيه المجتمع الدولي للوفاء بتعهداته، ولكن لا جديد على حياة الضحايا والمتضررين، والمشكلة الأكبر عن هذه المنظمات، وليس المانحين.
الحرب في اليمن -التي تدخل عامها الثالث- أظهرت فشل وعجز هذه المنظمات عن القيام بواجباتها تجاه المنكوبين والمحتاجين، وأكدت مثل غيرها من الصراعات والأزمات في العالم أنها في الواقع تريد بقاء الكوارث لا مواجهتها كي تستفيد تمويلاً.
على سبيل المثال: وباء الكوليرا الذي ظهر بصورة كبيرة أواخر أبريل الماضي، وأصاب أكثر من نصف مليون، بحسب منظمة الصحة العالمية، وأدى إلى وفاة ألفي شخص، كشف أن الأمم المتحدة لم تقم بواجبها للحد منه، والتخفيف من حالات الإصابة، مقارنة بالأموال التي حصلت عليها من دول عربية وغربية وهي بملايين الدولارات.
لقد فضح هذا الوباء، الذي تمدد على خارطة البلاد، أن كل التقارير التي صدرت إما لتوصيف الوباء بالأسوأ عالمياً، من حيث عدد الحالات المصابة، أو بحجم التمويل المطلوب لمواجهته، كانت مجرد لافتة لجلب أكبر قدر ممكن من التمويل المالي، وليس بهدف القضاء على الوباء، بدليل استمراره، وتزايد حالات المصابين.
الأمر ليست له علاقة بنظرية المؤامرة، ولا بتوزيع اتهامات جاهزة لمجرد الاتهام، وإنما من واقع تجربة بلد يعاني بصمت، والأمم المتحدة ومنظماتها حولته إلى موسم للحصول على الدعم المادي لمكاتبها وموظفيها، على حساب المعنيين الأحق بالرعاية والاهتمام.
تأخذ هذه المنظمات نسبة تزيد عن 30 % من المبلغ المرصود للأزمة، لصالح أجور الموظفين، ومصاريف ونفقات تشغيلية، وما يتبقى للمستهدفين مجرد مبلغ لا يكفي الحاجة الضرورية، وهكذا مع كل رقم يُعلن عنه، ويتعين الحصول عليه من المانحين.
تحدثنا فقط عن وباء الكوليرا، وليس عن الأزمة الإنسانية الأكبر في العالم باعتراف الأمم المتحدة نفسها، والتي لا تزال على حالها منذ شهور طويلة، دون أي تحسين، رغم توفر جزء من تعهدات المانحين.
هناك حاجة ضرورية للشفافية والصراحة في عمل هذه المنظمات، والأهم أن تخضع لآليات محاسبة واضحة من أجل مصداقيتها أولاً، ولتطمين المانحين ثانياً أن أموالهم تذهب للمحتاجين، وليس للعاملين عليها بما يتجاوز الحد المفهوم والمعقول.
من السهل أن تعلن أية منظمة عن أرقام للضحايا، سواء للقتلى والجرحى أو المحتاجين، ولكن من الصعب إقناع الآخرين بها، ما لم تكشف عن المصادر التي استندت إليها، ونفس الأمر ينطبق على القول إنه تمت مساعدة عدد معين، حيث يظل مجرد كلام وادعاء، ما لم يكن مدعوماً بشفافية الصرف وآليات التوزيع.
أحياناً نتساءل هل الأمم المتحدة تطلب أموالاً لها كمحتاجة أم للمنكوبين، لأن حجم استفادتها تجعل هذا التساؤل مشروعاً ومطروحاً على طول الوقت، ما لم تجيب بشفافية مقنعة.;