لم تحُل الحرب التي يشهدها اليمن منذ أكثر من عامين، بين المسلسل التاريخي التركي “قيامة أرطغرل” واليمنيين على مختلف مستوياتهم وأوضاعهم حتى أولئك الذين يحاربون على جبهات القتال.
يمن مونيتور/الأناضول
لم تحُل الحرب التي يشهدها اليمن منذ أكثر من عامين، بين المسلسل التاريخي التركي “قيامة أرطغرل” واليمنيين على مختلف مستوياتهم وأوضاعهم حتى أولئك الذين يحاربون على جبهات القتال.
فالكثيرون في هذا البلد الذي أنهكته الحرب، وجدوا ضالتهم بالمسلسل، الذي بات بالنسبة للمدنيين بمثابة مانح الأمل في الوصول يوما ما إلى الاستقرار وإنهاء القتال، كما أصبح بالنسبة للعسكريين الحكوميين “وقودهم” إلى “التضحية والشجاعة ومقارعة الاستبداد”، على حد قول عدد منهم.
وتدور أحداث المسلسل، الذي يُعرض حاليا بموسمه الثالث، بين ولايتي حلب وأنطاكية في القرن الثالث عشر الميلادي، في زمن الصراعات بين الإمبراطوريات بالمنطقة.
ويتناول المسلسل سيرة “أرطغرل بن سليمان شاه”، والد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية، في سياق رحلة البحث عن أرض يستقر فيها مع قبيلته لإنهاء معاناتهم وتنقلاتهم، بعد مرحلة طويلة من الخطر وغياب الأمن والبحث وعدم الاستقرار.
والمسلسل يرسم “لوحة فنية لا تخلو من عناصر الجذب والتشويق، إذ مزج بين الفن والسياسة، وربط أحداث الماضي بمجريات الحاضر”، هكذا يتحدث عبد الباسط الشاجع، مذيع ومقدم برامج في إذاعة محلية بمحافظة مأرب (شمال شرق)، عن سبب شغفه الكبير بالعمل الفني.
ويضيف المتحدث للأناضول: “واظبت على متابعة مسلسل قيامة أرطغرل منذ حلقاته الأولى بكل لهف وشوق”.
وبحسب الشاجع، فإن المسلسل جاء “يسعف قضايا الإسلام ويعيد هيبتها، خاصة في ظل حملات التشويه من قبل الغرب والجماعات الإرهابية”.
وتمكن المسلسل، وفق المتحدث، من “تقديم الإسلام بطريقة وسطية عصرية، حفلت بالرسائل الحاملة لقيم الحق والعدل، ومواجهة الظلم والاستبداد، فضلا عن الانتصار لكرامة الإنسان وحريته وحقوقه”.
وبالنسبة للطالبة الجامعية غيداء الناخبي، التي تدرس في كلية الآداب بجامعة عدن (جنوب)، فإن اهتمامها بمتابعة مسلسل “أرطغرل”، يرجع إلى حاجتها “لمعرفة تاريخ الأمة الإسلامية في الحقبة التي يتناولها المسلسل”.
وتشير الناخبي في حديثها لمراسل الأناضول، إلى أن المسلسل يعرض في الوقت الراهن، ومعظم أبناء الأمة مصابون بحالة من اليأس بسبب الواقع المحيط بهم، غير أن مجرياته “بدأت تفتح أبواب الأمل والتفاؤل لدى متابعيه”.
وثمة رسالة يتضمنها المسلسل، برأي الناخبي، مفادها “أن ما نعيشه هي فترة محنة عابرة، وقد تجاوزت الأمة الإسلامية ماهو أسوأ منها، خاصة أن تلك الحقبة شهدت الحروب الصليبية وغزو التتار وسقوط عدد من عواصم الدولة الإسلامية وفي مقدمتها بغداد”.
وتختم الناخبي بالقول: “لفت المسلسل انتباهي إلى التقارب الثقافي بين الأتراك والعرب من حيث اللغة وكثير من العادات والتقاليد والقضايا والمواقف التاريخية، فضلا عن روابط الدين والجوار والمصير المشترك”.
ومن المدنيين إلى العسكريين برز حرص الجنود اليمنيين على مشاهدة المسلسل، رغم استمرار الحرب.
وفي هذا الصدد، يقول الجندي “عزام” (رفض ذكر بقية الاسم) لمراسل الأناضول، إن “المقاتلين الذين يتصدون لعدوان جماعة الحوثي و(قوات الرئيس السابق علي عبد الله) صالح وجدوا في المسلسل مبتغاهم”.
وفي رأي “عزام” (24 عاما ويقاتل بجبهة صرواح بمحافظة مأرب/شرق)، أن المسلسل “يتولى إحياء روح التضحية والشجاعة فينا، كما يحثنا على مقارعة الظلم والاستبداد”.
وعن كيفية حصولهم على حلقات المسلسل يقول عزام، إن “المقاتلين ينتظرون بفارغ الصبر موعد بث الحلقة الجديدة التي تأتي نهاية كل أسبوع” حيث يتوافق ذلك مع أجازة معظمهم القصيرة التي تكون لمدة يوم واحد أو يومين.
ويوضح أن تلك الأجازة يقضيها الجنود في معسكرات مخصصة للراحة أو في المدن القريبة من جبهات القتال في حال كان مسقط رأسهم بعيدا عن تلك الجبهات، حيث يحرصون على مشاهدة المسلسل، فور الحصول على الحلقات التي فاتتهم مسجلة من إحدى مقاهي الإنترنت.
الجندي “إسماعيل” (22 عاما)، يشير إلى أن الإقبال الكبير من المقاتلين والمواطنين على حد سواء على مشاهدة المسلسل، دفع ملاك مقاهي الإنترنت، لمضاعفة سعر بيع حلقات المسلسل ونقلها إلى فلاش (كارت ذاكرة إلكتروني) أو ذاكرة هاتف جوال، ليصل سعر الحلقة الواحدة إلى 150 ريال يمني (نحو 40 سنت/دولار)”.
ويرى إسماعيل (يقاتل بمديرية نهم شرقي صنعاء) في حديثه للأناضول، أن العملية غدت سلعة رائجة بالنسبة لمقاهي الإنترنت في عدد من المدن اليمنية، مشيرا إلى أن بعض الجنود يشاهدون الحلقات عبر الهواتف الحديثة التي يستطيع بعضهم إدخالها إلى معسكرات الراحة.
الجندي محمد نصر، في إحدى جبهات القتال محافظة لحج (جنوب)، يقول إنهم يتابعون المسلسل منذ قرابة ثلاثة أشهر، مشيرا إلى أنه كانت المتابعة في البداية من قبل عدد محدود من الجنود، لكن زاد المتابعون كلما تعرفوا على المسلسل.
“قيامة أرطغرل يتميز عن غيره من المسلسلات في كونه يعزز حالة الشجاعة والتضحية ويرفع الروح القتالية لدينا، ونحن نشعر أن موقفنا يشبه موقف بطل المسلسل لأننا ندافع عن الأرض والوطن”، هكذا يضيف نصر لمراسل الأناضول.
بدوره، يرى محمد الجماعي، منتج برامج تلفزيونية بصنعاء، أن “المسلسل يسمح لعشرات الملايين بمشاهدة ما يريدون لا ما يراد لهم، وتجذير ما يحبون من قيم ومعان، وليس ما يقدمه لهم طُهاة هوليود وبوليود وأباطرة دراما التغريب”، حسب قوله.
ويتوقع الجماعي في حديثه لمراسل الأناضول، “ظهور أعمال فنية ضخمة أسوة بهذا المسلسل، لا تتعارض مع يقينيات المشاهد العربي والمسلم وعوالمه الروحية، بل تغذيها وتنميها نيابة عن المسجد ومحاضن التربية ومعاهد النهضة الإسلامية، التي تواجه مخرجاتها في عصرنا حملات تشويه ممنهجة وشرسة”.
حسام منصور، الذي يعمل في أحد المراكز الإعلامية للقوات التابعة للحكومة الشرعية بمأرب، يقول إن الإقبال المتزايد على متابعة مسلسل “قيامة أرطغرل” من قبل الجنود والعاملين في المركز، دفع الأخير لتوفير حلقات المسلسل أولا بأول.
ويضيف لمراسل الأناضول، أن الجنود يقضون غالبية أوقات أجازتهم القصيرة في متابعة المسلسل الذي يشجعهم على التحلي بالثبات والصبر والشجاعة، وقد استطاع بالفعل أن يُحدث تأثيرا كبيرا لدى متابعيه بشكل عام، والشباب والجنود على وجه الخصوص.
ويشهد اليمن، منذ خريف عام 2014، حرباً بين القوات الموالية للحكومة من جهة، ومسلحي جماعة “الحوثي” والقوات الموالية لصالح من جهة أخرى، مخلفة أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، فضلًا عن تدهور حاد في اقتصاد البلد الفقير. –