تحدثت في مقال سابق عن مفهوم التطرف ومظاهره، وأتوقف اليوم عند أسبابه وآثاره والحلول المناسبة للحد منه.
تحدثت في مقال سابق عن مفهوم التطرف ومظاهره، وأتوقف اليوم عند أسبابه وآثاره والحلول المناسبة للحد منه.
للتطرف أسباب كثيرة بعضها يعود لنفسية الفرد وللبيئة التي نشأ فيها، كما أن الظروف الاقتصادية والسياسية قد تكون أيضا أسبابا تساعد بعضها للوصول بالفرد أو الجماعة إلى التطرف. ويأتي على رأس تلك الأسباب الانغلاق الفكري للفرد أو الجماعة، فالفرد أو الجماعة حين يفقدون القدرة على تقبل ما يخالفهم من الأفكار والمعتقدات، ويعتبرون أن كل ما يعتقدونه يقينا لا يقبل النقاش، يغلقون على أنفسهم في إطار فكرة واحدة سرعان ما يتعصب لها باطنا، ثم قولا، ثم يتمثل ذلك سلوكا..
وهناك أسباب تعود إلى نفسية الفرد، فالشخص الاندفاعي وجدانا، قد ينخرط سريعا ويقع في شباك الخطاب المتطرف، والشخص الذي عاش في بيئة عدوانية سواء كانت على مستوى الأسرة أو المجتمع يكون مؤهلا للوقوع في التطرف وترجمة تطرفه إلى سلوك العنف. وقد يكون ضمن الأسباب ما يعانيه الفرد من حالة مادية صعبة جعلته يتجه إجباريا إلى جماعة ما من الجماعات المتطرفة كي يسد ذلك فراغه، فإذا به مع الأيام يقتنع بذلك الخطاب ويؤمن به ويسعى إلى العنف ضد مخالفيه. أما الأسباب السياسة والاجتماعية فهي باعتقادي من أهم الأسباب وخاصة في العقود الأخيرة، حيث يجد الشاب المتطرف المادة الجيدة التي تساعده في زيادة إيمانه بأنه على الحق المبين، فما يراه في قضية فلسطين واعتداء إسرائيل عليها وما يجري في مناطق أخرى يستضعف فيها المسلمون فإن ذلك يزيد في حماسته، ويلهب عاطفته ويخمد عقله تماما، ثم يتحرك بلا إدراك ليزيد الطين بلة، فيكون قد قتلنا بحمقه، مثل ذلك الذي رأى السمكة تقفز في الماء فأنقذها وأخرجها إلى اليابس.
ومن ضمن الأسباب ما تعانيه الأقليات المستضعفة والتي مورس بحقها الظلم الكثير، فإن ذلك الضغط يولد الانفجار، ومثل ذلك ما مارسته أنظمة الحكم من قمع لمخالفيها ومن تعذيب وسجن وقتل، فإن ذلك يولد أيضا ردة فعل عند بعض الأفراد، ولا ننسى أن سجون الأنظمة العربية كانت هي الانطلاقة الأولى لجماعات الجهاد وجماعة التكفير والهجرة، ثم تفرخت بعدها جماعات العنف الدينية. ومن الأسباب التي تجعل جماعات العنف في حالة تكاثر وقوة واستمرار هو ما تحصل عليه جراء انتصارها، إذ يغريها الانتصار بقوة السلاح على طلب المزيد من الكسب السياسي، فتحصل على مكاسب كبيرة رغم أنمها قد تكون مجموعة عصابات هنا وهناك.
أما ما يصنعه التدين المغشوش والأفكار الخاطئة في الفكر الإسلامي من بعض الشباب إلى العنف فهو واضح، فالتراث الإسلامي اجتهاد قد يجد فيه المرء أسماكا وقد يجد فيه تماسيح، ومن كان حظه التماسيح كان تمساحا على مجتمعه، ولذا فإن العزلة التي تمارسها الجماعات المتطرفة لأفرادها، والمنهج التي تلقنهم إياه، بعيد عن أعين المجتمع، وبعيدا عن رقابة الحكومة قد يخلق متطرفا منذ نعومة أظفاره، وقد يمارس الإرهاب في سن مبكر تحت ضغط تلك التربية التي أفقدته وعيه مبكرا، وقد يمر بحالات يكون في مبتدئها معتدلا ثم يختم بالتطرف، فالفرد قد يكون متديناً عادياً يأخذ نفسه بتعاليم الدين ومبادئه، ويدعو الناس إلى الأخذ بذلك، وهو حتى هذه اللحظة يدعو إلى شيء لا يملك المجتمع إزاءه إلا تعبيراً عن الرضا والتشجيع. هذا الداعية غالباً ما يواصل مسيرته نحو التشدد مع نفسه أولاً ومع الناس ثانياً، ثم يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكام قاطعة بالإدانة على من لا يتبعه في مسيرته أو دعوته، وقد يتجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف ثابت ودائم من المجتمع ومؤسساته وحكومته. يبدأ هذا الموقف بالعزلة والمقاطعة، حتى يصل إلى إصدار حكم فردي على ذلك المجتمع بالردة والكفر، والعودة إلى الجاهلية. ثم يتحول هذا الموقف الانعزالي عند البعض إلى موقف عدواني يرى معه المتطرف أن هدم المجتمع ومؤسساته هو نوع من التقرب إلى الله وجهاد في سبيله، لأن هذا المجتمع – في نظر المتطرف – مجتمع جاهل منحرف، لا يحكم بما أنزل الله. هنا يتدخل المجتمع لوضع حد لهذا التطرف ومصادره، باعتباره نشاطاً يصل بصاحبه إلى الاصطدام بالعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساء هؤلاء استخدام تفسيرهما، ودعاهم هذا إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم، وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم أو حقوقهم.
إن انتشار ظاهرة التطرف يهدد تطور المجتمعات ويهدد وجودها، نتيجة تعطيل القدرات الذهنية وجرها للمعارك الخطأ. ومن آثار التطرف التدهور في الإنتاج، حيث أن أهم عنصر في قوى الإنتاج هو الإنسان العامل الذي لا بد – لكي يطور إنتاجه – من أن تتطور قدراته العقلية، بحيث يكون قادراً على الإبداع والابتكار والتجديد. فإذا ما كان أسيراً لأفكار جامدة وعاجزاً عن التفكير وإعمال العقل، فإن ذلك يجعله متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الإنتاج، بل بتنظيم العمليات الإنتاجية ذاتها كذلك، كما أن الجماعات المتطرفة قد تغرق البلاد وترهق اقتصادها بما تعمله من أعمال إرهابية، فتضعف الدخل من وراء السياحة، ومن وراء الاستثمار، وتستهلك ميزانية الدولة في حروب طويلة، وتوقف خطتها التنموية في الأماكن والمناطق التي تتواجد فيها بقوة.
ومن آثار التطرف أنه يجعل المجتمع في حالة فصام وعدم انسجام مع العصر، فالمتطرف يحن للماضي ويتمنى العيش فيه، ويرسخ ذلك ما استطاع بين أفراد المجتمع، فإذا رأى الوقوع رأى اتساع الهوة بين ما يعيشه الآخر وما نعيشه نحن. ومن آثاره أيضا استمرار الصرعات المدمرة إذا ما وجدت جماعتان متطرفتان ترى كل واحدة منها أن الأخرى على الباطل المبين وأنها عدو مبين لها، وهنا فإن المجتمع سرعان ما يتمزق بصراعاته وحروبه تلك. فإذا انزلق المجتمع في تلك الحروب والصراعات فإن التدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني لاحق لا محالة لأنه يعطل التطرف الطاقات الإنسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداءات، ويحول دون تكامل المجتمع.
أما العلاج برأيي فهو وقوف الجميع أفرادا وأحزابا ومنظمات وحكومات ضد جميع أشكال التطرف والإرهاب ونبذ كل أشكال التعصب والانغلاق الفكري، يتمثل ذلك الوقوف في خطوات عملية تقوم بها كل جهة قدر استطاعتها فالحكومات تبدأ بتوحيد منهج مدرسي وجامعي يرسخ مفاهيم الحوار والتعايش والتسامح، يواكب ذلك حملة إعلامية بكل وسائل الإعلان تناقش تلك الظاهرة من زوايا مختلفة وتقف عن تفصيلات أسبابها، كما تقوم منظمات المجتمع المدني بضم فئات الشباب في أعمال تطوعية وثقافية لتمنع حالة الفراغ الذي قد يسد في المكان الخطأ، كما أن تلك المنظمات تستطيع أن تقترب أكثر ممن يحملون الفكر المتطرف كي تقنعهم بخطورته.
ومن أهم الخطوات لعلاج تلك الظاهرة مراجعة الخطاب الديني وإعادة قراءة بعض المفاهيم التي تبدأ صغيرة ثم تنتهي ككرة الثلج المتدحرجة كثافة وحجما وتأثيرا، من تلك المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة ، مفاهيم الجهاد والقتال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء ، وحد الردة ، والناسخ والمنسوخ ، والخلافة والإمامة، والشهادة والشهيد ، وإعادة النظر في كثير من المرويات الظنية التي تخالف مقاصد القرءان وتزيد في تعميق بعض المفاهيم الخاطئة..
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.